يزداد الحديث عن سيناريوهات التدخل العسكري الغربي لضرب أهداف حيوية سورية بحجة السيطرة على الأسلحة الكيماوية، ويبدو أن تصاعد الترويج لتلك السيناريوهات مايزال في مرحلة جسّ النبض الإعلامي، بينما تقدير الموقف الاستراتيجي لدى أطراف إقليمية ودولية يزداد انقساما حادا، بين دعاة الحسم السياسي الذين يبحثون عن كيمياء سياسية جديدة، وبين دعاة التدخل العسكري الذين يبحثون عن غاز السارين.
مصادر استخباراتية أميركية صرّحت بأنها اكتشفت دليلا حول استخدام النظام السوري غاز "السارين" القاتل. الخارجية الأميركية سرّبت معلومات أن النظام السوري استخدم هذا السلاح مرتين، أما الخارجية البريطانية فتحدثت عن ثلاث مرات. الرئيس أوباما وصف الموقف بأن الأدلة تشير إلى استخدام محدود لأسلحة كيماوية، وسبقت ذلك معلومات أميركية رسمية أن تحليلات عينات التربة الملوثة بمواد كيماوية لا تستطيع أن تجزم من الذي استخدم هذه الأسلحة؛ النظام أم المعارضة المسلحة. كل ذلك يدل على أنه لا يوجد إلى هذا الوقت اتهام رسمي واضح للنظام السوري باستخدام الكيماوي ولا توجد إرادة سياسية أميركية لتصعيد هذا الملف إلى مستوى الخيار الأول.
الخطوة المتوقعة لاحقا أن يدفع النظام الدولي من جديد إلى تكليف الأمم المتحدة بإرسال فرق تفتيش دولية، وسبق أن تم ترتيب على هذا النحو رفضت دمشق تفاصيله، فإذا قبلت دمشق سيناريو التفتيش والتقصي حول استخدام أسلحة كيماوية فإن ذلك يعني أننا سندخل في اللعبة الكيماوية لعدة أشهر أخرى، وعمليا ستبقى الأسلحة الكيماوية أحد تكتيكات التدخل الموجودة تحت الطاولة وليس فوقها، فثمة فرق استراتيجي كبير بين الموقف السوري والموقف العراقي قبل أكثر من عشرة أعوام.
من المحتمل أن تكون اللعبة الكيماوية بمثابة أداة لتحريك كيمياء السياسة خلال الأسابيع المقبلة، فاليوم نحن أمام انقسام يزداد وضوحا داخل معسكر الذين يريدون ذهاب الأسد من دمشق؛ بين دعاة الحل السياسي الذين يريدون دفع بشار الأسد إلى التنحي ضمن تفاهمات دولية تحتاج إلى كيمياء سياسية خاصة وتفاعلات من العيار الثقيل، وبين دعاة الحل العسكري والتدخل المباشر، وهؤلاء لا يوجد أمامهم أكثر من سيناريو دفع الكرة الكيماوية للتدحرج والتضخم يوما بعد يوم.
تقديرات دعاة الحل السياسي تأخذ في الاعتبار حجم المخزون الاستراتيجي الكيماوي السوري حيث تملك سورية أربعة مصانع للأسلحة الكيماوية بدأت الإنتاج منذ منتصف الثمانينيات ولديها عدة مخازن عملاقة أخذت تحركها في طول البلاد وعرضها، فيما تذهب مخاوف هذا المعسكر من ردود أفعال حلفاء النظام السوري إذا أقدم الغرب على خطوة عسكرية على شكل ضربات مركزة، أهمها رد فعل حزب الله القادر على توجيه مئات الصواريخ إلى أهداف حيوية اسرائيلية، ورد فعل إيراني قد يوجه ضربات موجعة الى أهداف أميركية في الخليج.
المشهد الأسبوع الماضي في واشنطن يختصر هذا النقاش؛ فوجود الملك عبدالله الذي يسعى إلى تجنيب المنطقة كارثة سوف تتجاوز سورية وربما تتجاوز غاز السارين بالبحث عن حل سياسي، وبين الأمير القطري الذي يريد حسما عسكريا سريعا في دمشق، في الوقت الذي تتواتر فيه معلومات من أنقرة تؤكد عودة تركيا نحو المزيد من الانفتاح على الحلول السياسية، ففي الوقت الذي تزداد فيه الأنباء عن حشود عسكرية وعن سيناريوهات وميادين المعركة، تبقى كيمياء السياسة أقوى وقادرة على تجنيب الشعب السوري المزيد من الموت والدمار.
بقلم: د.باسم الطويسي
المراجع
alghad.com
التصانيف
صحافة د.باسم الطويسي العلوم الاجتماعية جريدة الغد