بعد أحداث جامعة الحسين بن طلال التي ذهب فيها أربع ضحايا، وما خلفته من تداعيات صعبة، يجب أن نضع النقاط على الحروف بشأن بعض الزوايا المظلمة التي لا يتناولها الإنشاء الإعلامي والرسمي في هذا الوقت، والتي جعلت من العنف الطلابي يتصاعد، ويصل هذا المنعرج الصعب. وهنا على الدولة والمجتمع الاعتراف بأن الجامعات أصبحت أكبر ساحات لترويج واستهلاك المخدرات؛ وأن موجات العنف المتصاعدة بشكل جنوني خلال آخر ثلاث سنوات، لا تنفصل نهائيا عن هذه الجائحة التي مسخت جيلا من الشباب. كما علينا الاعتراف بأن حمل السلاح داخل الجامعات والأسواق أصبح أسهل من حمل الكتب.
كان من الأجدى أن يدعو مجلس النواب إلى عقد جلسة خاصة، ليس فقط عن العنف الطلابي، إذ أصبح الجميع يعلم ما قيل وما سيقال؛ بل عن العنف الطلابي والمجتمعي، وتجارة المخدرات، والعصابات شبه المنظمة، وانفلات حمل السلاح. فهناك خطوط اشتباك حان الوقت لأن نفككها ونقف أمام الحقيقة. ولا أحد يريد الاعتراف بأن سلسلة الجرائم التي ترتكب في الجامعات ذات صلة بتجارة المخدرات التي تجد في ساحات الجامعات والمجتمعات الطلابية فرصا لا تعوض بالنسبة لتجار هذه التجارة القذرة.
المخدرات حاضرة بقوة في الأنشطة الطلابية والمهرجانات والاحتفالات والأيام المفتوحة. ويا للأسف؛ فبدل أن تكون هذه الأنشطة مواسم لإبراز إبداعات الطلبة وابتكاراتهم، تحولت إلى سوق للمخدرات! ما الذي يحدث في معظم الجامعات الحكومية والخاصة؟ تنتشر تجارة ترويج أنواع من الحبوب تمنح الطلبة طاقة إضافية، تجعل شابا قادرا على البقاء بدون نوم لمدة ثلاثة أيام، وتمنحه قوة مضاعفة، وقدرة مدهشة على الكلام. ويا للأسف مرة أخرى، هذه هي الحوارات والمناظرات التي علمناها لطلبتنا! تصوروا أن تصل الأسلحة إلى أيدي هؤلاء؛ أي فوضى وأي جنون سيقعان؟ وهو ما حدث بالفعل!
قبل ثلاث سنوات، اعترف رئيس وزراء سابق صراحة أمام مجلس النواب بوجود مشكلة مخدرات في البلد، وأن الأردن لم يعد كما كنا نتغنى: دولة ممر وليس دولة مستقر. ومنذ ذلك الوقت، لم يتابع هذه الملف، بل تم إغلاقه. وفي كل مرة نتعلل بحجج وأسباب. والمشكلة ليست في بدايتها، بل متعمقة؛ وهي ليست في منطقة واحدة، بل منتشرة في المدن والأرياف، وتعصف بالبادية، وتوجد في معظم الجامعات.
وحتى لا نذهب بعيداً، فإن مشكلة المخدرات منتشرة في الجامعات والمؤسسات التعليمية في معظم الدول المحيطة بنا، وتعترف بها تلك الدول، وتتعامل معها على هذا الأساس. ففي العام 2010، نشر المجلس القومي للأمومة والطفولة في مصر أن 15 % من طلبة الجامعات المصرية يتعاطون المخدرات. وفي لبنان تشير الأرقام إلى نحو 30 %. وفي سورية ودول الخليج العربي يتكرر المشهد. لكن الوضع لدينا أصبح أخطر مع وجود العنف وفوضى السلاح.
يعترف الطلبة بكل جرأة وبساطة بوجود التسويق والترويج داخل الجامعات وكليات المجتمع والبيئات المحيطة بالجامعات؛ وبوجود التعاطي المتنامي وسط هذا المجتمع، ووجود شبكات للترويج. فثمة أكشاك منتشرة ومحلات محيطة بالجامعات تحولت إلى سوق كاملة لبيع المخدرات، بدون قاهر أو رادع. وبعض المروجين يستخدمون كل أساليب الابتزاز المعروفة من أجل ابتزاز الطلاب والطالبات. ثمة ثقافة طلابية تشكلت وسط هذا المجتمع الشبابي، ولدى الجنسين؛ ثقافة صادمة أنتجها الطلبة حول أنواع المخدرات وتأثيراتها وتجلياتها وجنونها!
الناس يتحدثون عن تجار المخدرات في المدن وفي المحافظات، وعن مروجيها الذين يعرفونهم بالأسماء، ومنهم حديثو النعمة الذين يتقدمون الصفوف، ويصبحون بين ليلة وضحاها نخبا وساسة ومنظرين. والناس ينشغلون بالمخدرات التي تباع على الطرقات، وينشغلون على مستقبل أولادهم، أكثر من انشغالهم بالمخدرات السياسية الأخرى التي تتمثل في الصمت على ما يجري.
بقلم: د.باسم الطويسي
المراجع
alghad.com
التصانيف
صحافة د.باسم الطويسي العلوم الاجتماعية جريدة الغد