مع اقتراب موعد الإعلان رسميا عن رفع تعرفة الكهرباء وفق الصيغة التي أخذت الحكومة بالترويج لها، والذي يتزامن مع مناقشات مجلس النواب للموازنة التي استهلك نصفها، يزداد الحديث الرسمي عن الهدر المالي بأشكاله ومصادره المتعددة وكأننا نكتشف هذا الهدر لأول مرة ، والسؤال الاكثر إلحاحا؛ لماذا لم تُقدم الحكومة على حزمة إجراءات وإعلان طوارئ مالية وإدارية للحد من هذا الهدر منذ بداية العام على أقل تقدير من أجل التهيئة لاستحقاق رفع تعرفة الكهرباء الذي يبدو أن لا مهرب منه.
تتحدث الأرقام الرسمية عن هدر في الطاقة الكهربائية لأسباب فنية يتجاوز 200 مليون دينار سنويا، وعن سرقة للتيار الكهربائي تتجاوز 100 مليون دينار، بمعنى أننا امام 300 مليون دينار سنويا تذهب هدرا وتُحمَل على فاتورة الكهرباء ويدفعها المجتمع الأردني. كان بإمكان شركة الكهرباء عبر حزمة من إجراءات الحوكمة والرشد  التقليل من فاتورة الكهرباء نحو النصف،  لم تقدم الشركة على أي إجراءات من هذا النوع على طوال فترة احتدام أزمة الغاز المصري منذ أكثر من عامين، واكتفت بالتعميم على موظفيها برجاء إطفاء الكهرباء عند انتهاء الدوام الرسمي! فيما غابت حزمة طويلة عريضة من إجراءات مفترض اتخاذها بدون أزمات وبدون عجز مالي وتقتضيها أبسط  قواعد حوكمة المالية العامة للدولة.
يزداد الحديث الرسمي عن الهدر في أوجه عديدة من المالية العامة للدولة في اقتصاد صغير يغذى بموارد محدودة، ويتحكم به الاقتصاد السياسي أكثر من الإنتاج الفعلي. في ملف الطاقة لا أحد يريد أن يناقش مستقبل مصفاة البترول، وماذا عن الهدر الذي تدفعه الدولة، ولا أحد يريد أن يأخذ بيد البلاد نحو الاستثمار في تكرير البترول وإعادة تصنيع الطاقة الذي تحتاجه المنطقة، ولا إجراءات حقيقية لوقف الهدر في تحصيل الضريبة الذي قد يصل إلى تغطية فاتورة الكهرباء باكملها، ولا إجراءات قانونية جادة لتحصيل مئات الملايين من ديون الخزينة العامة على مواطنين ورجال أعمال وشركات ومؤسسات. تصورا على سبيل المثال جامعة حكومية تبتعث طالبا للحصول على درجتي الماجستير والدكتوراه وتصرف عليه مائتي الف دينار مقابل الالتزام بالتدريس فيها، بعد ذلك يرفض الاستاذ الجامعي الامتثال لشروط العقد ويذهب للعمل في الخليج، تأتي المحاكم الأردنية وباسترخاء من إدارات الجامعات وأجهزتها القانونية بتقسيط المبلغ خمسة دنانير كل شهر وفي بعض القضايا خمسين دينارا، أي أن الجامعة الحكومية تحتاج أكثر من 333 عاما كي تسترد حقوقها، وقس على ذلك مئات الأمثلة على الهدر الذي لا يجد أي رادع وبعضه يمتد عمره عقودا طويلة.
رغم كل الغضب الذي يصبه السادة النواب هذه الأيام على الحكومة والتهديد والوعيد من رفع تعرفة الكهرباء؛ لكنْ ثمة شعور عام بأن لا بد من إجراء لوقف الاستنزاف الذي يشكله ملف الطاقة الكهربائية. وهذا الشعور الذي يزداد نضوجا لدى فئات من قادة الرأي، يحتاج طوارئ مالية توقف الهدر وتجعل المجتمع شريكا حقيقيا في المغارم والمغانم. في هذه اللحظات وفي هذا الملف على الحكومة أن تفعل أكثر مما تقول.

 

بقلم: د.باسم الطويسي


المراجع

ammanxchange.com

التصانيف

صحافة   د.باسم الطويسي   العلوم الاجتماعية   جريدة الغد