ونحن صغار عندما كانت الحارات تعج بالدجاج البلدي، حيث كان لا يخلو بيت من وجود "خم" للدجاج، وتجارة بيض الزراعة يصيبها الكساد، كانت تنطلق على ألسنتنا كلمات نرددها في الأزقة والحارات؛ تتلخص بعبارة بسيطة، تدلل على الاستغراب والفهلوة في ذات الوقت.
وتتحدث الكلمات عن طفل استطاع أن يبيع البيضات بسعر خيالي في وقتها بحيث أصبحت دندنات نرددها في لعبنا وعبثنا من عالم الجد "أبو طربوش أحمر منقوش باع البيضة بعشرة قروش".
كان ثمة بيض بلدي ودجاج بلدي وحليب بلدي، وكان الاقتصاد المنزلي يحل جزءا كبيرا من مشاكل الناس، ولكن الحال تغيرت ولم نعد نرى الدجاج البلدي إلا فيما ندر، وتم القضاء بشكل منهجي ومنظم على أسس الاقتصاد المنزلي، بحيث أصبحنا مستهلكين في كل تفاصيل حياتنا.
الاستهلاك الذي غزا ثقافتنا ومجتمعاتنا جعلنا عبيدا حقيقيين، لسطوة السوق وسطوة المنتجين في كل المجالات، ورغم تلك العبودية التي نكتوي بنارها إلا أننا لا نفكر جديا في الخروج من هذا النير الذي يحيط بأعناقنا.
هذا النمط من السلوك الاستهلاكي يعتبر شذوذا قياسا بالواقع الاقتصادي الذي يعيشه الناس ويؤكد حقائق لا مجال للشك فيها؛ أن الخروج من مأزقنا الاقتصادي يحتاج الى إعادة صياغة ثقافتنا الاقتصادية، فسنوات الاستهلاك التي تنعّمنا بها قد ولت دون رجعة، وقياسا على ذلك يجب إعادة التفكير في نمط حياتنا وإعادة الاعتبار للاقتصاد المنزلي.
فبحسب تعريف القاموس الاقتصادي لحسن النجفي فإن الاقتصاد المنزلي هو اقتصاد ربة البيت لإدارة شؤون المنزل، من تقييم الحاجيات الضرورية لاستهلاك أهل المنزل، ومقدار المصروفات اللازمة خلال وقت معلوم، وتوفير حاجيات ومتطلبات المنزل في حدود الزمن والموارد المتاحة لربة البيت. وعموما يشمل الاقتصاد المنزلي تدريب الأطفال على حسن الاستهلاك وعدم التبذير، في الملبس والمأكل!
لكن يبدو أننا في غفلة كبيرة عن هذا المفهوم البسيط لإدارة الاقتصاد المنزلي، وأصبح من يرسم موازناتنا البيتية، السوق والتجار والمستوردون، وثقافتنا الاستهلاكية. وهذا برز بشكل واضح في أزمة أسعار البيض التي أوصلت الطبق إلى أسعار خيالية، ونتيجة لغياب رقابة الدولة على الأسعار تحكم المنتجون والمستوردون في البيض ما أدى إلى وجود اختلالات سعرية ومغالاة في الأسعار، والضحية المواطن.
إعادة الاعتبار للاقتصاد المنزلي تخلق حالة من التوازن في حجم الاستهلاك، وتساهم في ضبط حركة الإنفاق، وتحرر الناس من سلطة السوق وتؤسس لثقافة جديدة كنا قد نسيناها، وتعيد الحيوية لكلمات التندر" أبو طربوش أحمر منقوش باع البيضة بعشرة قروش"!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد جهاد المحيسن