المؤشرات كافة تدلل على أن الأيام القليلة المقبلة هي الأصعب والأكثر حرجا في مسار التحولات المصرية منذ ثلاث سنوات؛ إذ يزداد التصعيد السياسي، ويصل الحراك على الأرض أوجه. ويبدو أن قواعد الاشتباك التي حكمت مسار الأحداث قد بدأت بالتغير الفعلي منذ يوم أمس الجمعة، بعد التداعيات الكبيرة التي حملتها دعوة وزير الدفاع المصري عبدالفتاح السيسي، التي وُصفت بطلب "التفويض الشعبي"، بالنزول إلى الشوارع والتظاهر لمواجهة الإرهاب والعنف. فيما الرد التصعيدي المباشر من قبل جماعة الإخوان المسلمين وصل حد وصف ذلك بدعوة للتناحر، وأن "الجماعة" ماضية في استعادة الشرعية بأي ثمن. بل ووصف الإخوان عزل رئيسهم المنتخب بما يشبه "هدم الكعبة"، أهم الرموز الإسلامية المادية.
ربما يكون الجيش المصري قد ارتكب الخطأ الثاني في دعوته للنزول إلى الشوارع في هذه الظروف الحرجة. فعمليا، الجيش لا يحتاج إلى تفويض شعبي لمواجهة الإرهاب، أو أي مصدر تهديد محتمل للمجتمع والدولة. في المقابل، جاء رد الإخوان المسلمين فوق التصور من ناحية حجم الغضب والانفعال وحالة الفوضى التي باتت تسم معظم ردود أفعالهم منذ الحركة الشعبية المضادة التي أدت إلى عزل الرئيس المنتخب.
لقد حافظ الجيش المصري على دوره حاميا للدستور المصري طوال مرحلة التحولات الأولى. ثم جاء تحركه الأول بعزل الرئيس تحت غطاء الشرعية الشعبية التي ما تزال موضع جدل محلي ودولي. والخطوة الجديدة تعني أن الجيش أخذ الأمور بيديه، ويعلن تغيير قواعد اللعبة التقليدية؛ بمعنى تحوله إلى طرف في الصراع المحتدم على مستقبل مصر.
علاوة على الخطايا الكبيرة التي ارتكبها "الإخوان" في فترة حكمهم الأولى، والاستسلام لفكرة الإقصاء والاحتكار السياسي وتهميش الآخرين، فإن الخطايا الجديدة لا تقل بآثامها عن السابقة. فما تزال الأحداث في سيناء تشكل ضربة في خاصرة الأمن الوطني المصري، فيما يستمر غموض موقف "الإخوان" منها، في الوقت الذي تستمر فيه الدعاية المضادة والمعلومات والتقارير عن تورط مباشر وغير مباشر للإخوان، ودعم وتمويل وتسليح لتنظيمات تكفيرية تسيطر على صحراء سيناء ومعابرها. والأمر الآخر الذي يروج له في هذه الأثناء هو أن لدى جهاز المخابرات العسكرية المصري معلومات تؤكد أن جماعة الإخوان تنوي اعتبارا من يومي الجمعة والسبت (أمس واليوم)، جر البلاد إلى موجة من التصعيد العنيف، يصل إلى تفجير مبان وسيارات وتنفيذ اغتيالات واسعة.
وللأسف، جاء الخطاب الإعلامي للجماعة ليخدم هذه الفرضيات، كما يبدو في دعوة مرشد الجماعة محمد بديع، إلى التصعيد والحسم في العشرة الأواخر من رمضان: "نحن أمة العشر الأواخر". فيما ذهب الناطق الإعلامي باسم "الجماعة" إلى وصف مظاهرات يوم أمس الجمعة بأنها بداية يوم الفرقان؛ أي نزع الصفة السلمية عن أي مطالب باستعادة الشرعية التي يدافعون عنها، ما يوفر بالتالي الغطاء الشرعي للجيش للتدخل، وما يعني أن الأيام المصرية الطوال لم تبدأ بعد.
ردود فعل الإخوان المسلمين خلال الأيام القليلة المقبلة ستقرر مستقبل الجماعة، ليس على مستوى مصر، بل على مستوى المنطقة والعالم؛ وستقرر إلى حد آخر مصير الإسلام السياسي الذي ولد مع ولادة جماعة الإخوان المسلمين في مصر العام 1928، وخرجت جميع تياراته من جلباب الإخوان، أو انفصلت عنهم، أو جاءت ردا عليهم. والمعيار الحقيقي للحسم سيكون في قدرة الجماعة على الالتزام بالحلول الديمقراطية، وعدم الانجرار للعنف والدم. فإذا كان عزل الرئيس لدى المرشد العام أشبه بهدم الكعبة، فإن إراقة دم إنسان مسلم لدى الرسول الكريم هي أعظم من هدم الكعبة حجرا حجر
بقلم: د.باسم الطويسي
المراجع
alghad.com
التصانيف
صحافة د.باسم الطويسي العلوم الاجتماعية جريدة الغد