لم يعد يخفى على أحد أن الصراع الدولي على سورية قد كشف المستور بشأن عمق العلاقة بين الكيان الصهيوني وبعض أطراف المعارضة المسلحة، وهذا ما خبرناه بشكل حقيقي في العدوان الصهيوني الأخير على دمشق.
فقد هللت معارضات لهذا العدوان، وحرصت القنوات الإعلامية المتلفزة في "إسرائيل" على محاورة من يسمون أنفسهم معارضة ميدانية، للاطلاع على ردود فعل الشعب السوري على هذا العدوان. وبلغت نشوة النصر عند البعض ممن يسعى إلى تسليم سورية لقمة سائغة للعدو الصهيوني، أن يكبر ويهلل ويدعي أن أعداء الأمة التاريخيين "الإسرائيليين" من أهل الكتاب وذميين، ويحق لهم ضرب هؤلاء الروافض!
هذا الخطاب يعبر عن حالة مرضية، نجح الإعلام العربي والغربي المعادي لفكرة العروبة والإسلام بالترويج له في زرع العدواة بين الإخوة مقابل صداقة العدو. فبعد غزو العراق، بدأ ينشط الخطاب الطائفي بشكل محموم، وتحول الصراع من عربي-إسرائيلي، إلى خطاب يرى في الشيعة والعلويين والإسماعيليين أعداء للأمة، وأنهم الطابور الخامس الذي ينهش جسدها. ولكن، لمصلحة من يروج هذا الخطاب؟
بالضرورة لمصلحة العدو الصهيوني، وخدمة للمشروع الإمبريالي في المنطقة. بل وقد بلغ الإسفاف ذروته عندما أقدم بعض العرب، بعد زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما للمنطقة، على تقديم تنازلات تتلخص بمبادلة أراض فلسطينية محتلة بأراض أخرى، وكل ذلك في سبيل إرضاء دولة الاحتلال والولايات المتحدة الأميركية. وفشل العرب، كعادتهم، في تقديم الدعم للمقاومة الفلسطينية، لتدعيم صمودها في وجه الاحتلال.
هذه الدلائل تؤكد أن ما حدث ويحدث في سورية وفلسطين ولبنان والعراق ليس وليد الصدفة، بل يأتي في سياق مخطط إنهاك ما بقي من مفاصل مقاومة في جسد الأمة، الذي نخره سوس الارتماء في حضن المحتل والمشروع الغربي في المنطقة، وكشف المستور عن حجم التنسيق القائم لتقطيع أوصال هذه المنطقة، وجعلها مجموعة من العصبيات المتناحرة على أسس عرقية ودينية وقبلية. فالعدوان الأخير على دمشق لا يدع مجالا للشك في أن ما يدور حاليا من صراع دموي في سورية، يتم بتنسيق أكثر مما كنا نعتقد مع الاحتلال، وأن الهجمات التي تتم لها عنوان واحد: القضاء على أي معقل يرفض فكرة وجود "إسرائيل".
وتتزامن الأحداث مع ما نشرته الصحف الأميركية عن تقديم مبادرة أميركية للعرب تقتضي بالاعتراف بيهودية دولة العدو. وهذا هو التتويج النهائي للمرحلة التي كان يعتقد الغرب وبعض العرب والمعارضة المسلحة أنها سوف تؤتي أكلها بعد الضربة الأخيرة لدمشق. ولكن تلك المحاولة لم يكتب لها النجاح، وسرب الإعلام الصهيوني عبر وسائله المختلفة فشل المعارضة في تحقيق الهجوم النهائي على دمشق، وإنهاء الحرب الدائرة هناك بما تقتضيه مصلحتهم.
العدوان على سورية، والتصفيق والتهليل له، يؤكد تجذر الخطاب التآمري على العرب، والذي زرعت نغمته منذ سنوات ليست بالطويلة، وهي تحويل الصراع من عربي-إسرائيلي، إلى صراع طائفي!

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   جهاد المحيسن