"غريب القرآن ومشكله في كتاب ""القرطين"" لابن مطرف القرطبي (387-454هـ) دراسة تحليلية في مناهج التفسير" 

 
أسماء عبد المنعم أحمد هريدي عين شمس الآداب اللغة العربية وآدابها دكتوراه 2007 462 

أهم المعالم الرئيسة التي تضمنها البحث .

ولعل من أبرز ما أظهرته هذه الدراسة أن هناك عالماً جليلاً من خيرة علماء الأندلس قام بجمع ما تضمنه كتابان من أهم رموز المكتبة العربية التي تدور حول القرآن الكريم هما : (تفسير غريب القرآن) و (تأويل مشكل القرآن) لأبرز علماء عصره ابن قتيبة.
لقد مزج ابن مطرف الكناني الأندلسي الكتابين وأخرجهما في كتاب واحد أسماه (القرطين) وهي تسمية توحي بنفاسته ونفاستهما, وأشار في مقدمة كتابه إلى السبب الذي دعاه إلى هذا العمل وهو التخفيف على طالب العلم, وتيسير السبيل على الباحث في جانب من جوانب القرآن العظيم, وذلك بضم ما ورد في الكتابين بين دفتي كتاب واحد, حيث وضع كل ما يتعلق بآية في كتاب (المشكل) بجانب الآية في كتاب (الغريب) وأشار إلى كتاب الغريب بالحرف (غ) وأشار إلى كتاب (المشكل) بالحرف (ش) حتى لا يختلط الأمر على القارئ.

وكان أميناً كامل الأمانة فيما نقل وعرض من فكر ابن قتيبة, وآرائه وما يرمى إليه, فجاء كتابه كما أراد وقدر كثير العلم, خفيف الجرم, واضح الفهم, محكم السرد حسن النظم, مما جعله نمطاً فريداً بين المصنفات في بابه, فلم يسبقه مصنف, ولم يلحق به مؤلف مزج بين كتابين يتعلقان بأبحاث القرآن الكريم, ووحّد المادة العلمية الواردة فيهما, وأظهرها في صورة واحدة دون التدخل في تغير الألفاظ, أو العبث في المعاني بالنقص أو الزيادة كما فعل ابن مطرف الذي نسج الكتابين كما تنسج الثياب حيث جعل أحدهما لحمة, وجعل الثاني سداها.

إن علمي (غريب القرآن) و (مشكل القرآن) اللذان يدور حولهما كتابا ابن قتيبة وكتاب ابن مطرف نشآ توأمين, وشبا متلازمين, ودرجا رفيقين منذ أن انصرف المسلمون إلى دراسة ما يتعلق بالقرآن الكريم في الصدر الأول من عصور الإسلام , فظهرا علمين من علوم الكتاب العزيز التي ارتبطت بالبحث في دلالات القرآن الكريم, والكشف عن أنماط تعبيراته, وأساليبه وتراكيبه .. ان هذين العلمين يمكن اعتبارهما منهجين مختلفين من مناهج التفسير القرآني.

فدراسة الغريب تقدم منهجاً لغوياً من مناهج التفسير.
ودراسة المشكل تقدم منهجا تأويلياً من هذه المناهج.
وهذان المنهجان يختلفان مع منهج : (الوجوه والنظائر في القرآن الكريم).
من هنا كان تعرض هذا البحث للعلوم الثلاثة كمناهج للتفسير من حيت إشراقها على الوجود, ثم  نشأتها وتطورها .
ولقد أثبتت الباحثة من خلال دراستها القضايا والموضوعات والمؤلفات التي اتجهت إلى التأليف فيها أن هذه العلوم ممتدة الجذور منذ العناية بعلوم القرآن في الجيل الأول من المسلمين مع التنبيه دائماً على موقف ابن قتيبة في كتابيه : (تفسير غريب القرآن الكريم) و(تأويل مشكل القرآن) وموقف ابن مطرف في كتابه (القطين).

وإذا كان كتابا ابن قتيبة عملاً عظيماً عالي القدر في بابه وبين نظرائه فإن جمعهما بين دفتي كتاب واحد عمل له قيمته ووزنه؛ لأنه عمل ينبئ عن شخصية فذة , ينبوع منقطع النظير .. عمل ينبئ عن ثقافة عظيمة وعلم جم, وذكاء ملتهب .. عمل ينبئ عن جهد شاق ومضن يحمل بين طياته روح مؤلف متميز استطاع أن يجمع بين نص كتابين ويحيط بمراد مؤلفهما, ويقدمهما في ثوب قشيب, ونسق جديد, دون حذف أو إضافة أو تقطيع أوصال.

ولعل العمل الخلاق الذي قام به ابن مطرف يشير إلى أئمة بزغوا مجوماً في سماء الثقافة الأندلسية في القرنين الثالث والرابع الهجريين, أولئك الذين اتجهوا إلى كتب الحديث الصحيحة المختلفة وأخرجوها في مؤلفات جامعة .
وربما أعجب ابن مطرف بمنهجهم القائم على الجمع بين الكتب المتعددة وإخراجها في كتاب واحد فأقبل على هذا العمل ونفذه في الكتب التي تتعلق أبحاثها بالكتاب العزيز فجمع بين (تفسير غريب القرآن) و(تأويل مشكل القرآن) في عمل واحد مما يعد أمرا مبتكراً جديداً في هذا المجال.

إن ما أقدم عليه ابن مطرف الأندلسي بتأليف كتاب يدور حلو كتابين لعالم مشرقي إن دل على شيء فإنما يدل على الاهتمام البالغ من علماء المغرب وبخاصة الأندلسيين منهم بالثقافة الواردة إليهم من علماء المشرق العربي وأكثرها ما يتلق بالقرآن الكريم وعلومه والحديث وعلومه وباللغة العربية وآدابها.
كما يدل على حرص الشعب الأندلسي على نقل هذه المؤلفات إلى طلاب العلم والعناية بتيسيرها ليقبلوا عليها كل ما أرادوا وكل ما امتد وسمح وقتهم .

كذلك فإن هذا العمل من ابن مطرف ومن اقتفى أثره يعد نموذجاً حقيقياً من نماذج امتزاج الثقافات المشرقية والمغربية العربية والإسلامية حين كان للعرب وللمسلمين السيطرة على هذه البلاد, وهذا مما يؤكد أهمية امتزاج الثقافات بين شعوب العالم بعامة, وامتزاج الثقافات العربية والإسلامية بخاصة.

وإن الباحثة لتهيب بعلماء الأمة الإقبال على كتب التراث التي ضنى بها الأوائل من علمائنا, يجب على كل قادر أن يوفيها  حقها من النظر, والتأمل, وأن يبذل فيها من الجهد ما يداني ما بذل في إعدادها وتصنيفها, والباحث الجاد في البحث عن الحقيقة لا ينبغي له أن يبدأ حيث انتهى السابقون دون الدخول في ذلك التراث الضخم لإعادة النظرة الفاحصة فيه القائمة على البرهان والدليل, لا على المقول والمنقول.

ومن هنا كانت الموازنة بين إيجابيات العمل وسلبياته هي عين العدل والإنصاف, فلا يصح أن يُغضَّ الطرف عن الحسنات وتذكر – فقط – السيئات؛ لأن مجرد تصيد الأخطاء للعمل, وتتبع العثرات, والبحث عن الهفوات مع التغافل عن الحسنات دليل على فساد القصد وسوء الطوية.

لذلك كانت الدعوة – دائماً – لكل من يتصدى لنقد عمل من التراث أو غير التراث أن ينظر إلى كلا الجانبين .. جانب الحسنات وجانب السيئات على أن تكون النظرة عادلة دون تحيز أو تحفظ, حتى لا يواجه مؤلف بعد بذله الجهد والعرق بسيل من النقل والاتهامات, دون تدقيق أو بحث, أو نظر, ما حدث لابن مطرف.

المراجع

alnodom.com

التصانيف

ثقافات فرعية   العلوم الاجتماعية   الدّيانات