عمليا بدأت الأزمة السورية الدخول في بداية النهاية؛ أي الدخول في عملية سياسية قد تستمر الى منتصف العام القادم مع استحقاق نهاية المدة الرئاسية للأسد، بعد أن أخذت احتمالات التدخل العسكري بالتراجع الكبير، وبعد أن وفرت سلسلة من التطورات ما يشبه الهروب النظيف للولايات المتحدة وللنظام السوري على حد سواء؛ للطرف الأول الهروب من ورطة الحرب العسكرية التي تحولت إلى أزمة سياسية في المجتمعات الغربية وهروب آمن يطيل من عمر النظام السوري من ناحية ثانية.
التحول الحقيقي في الصراع يتمثل في قبول النظام السوري وضع أسلحته الكيماوية تحت الرقابة الدولية، ما يعني فعليا القبول بتدمير المخزون الاستراتيجي من هذه الأسلحة وضمان إعاقة أي محاولة لإعادة إنتاجها في المستقبل القريب أو بناء قدرات استراتيجية مهما كانت فعاليتها؛ وهذا ما أكده المؤتر الصحفي لوزيري الخارجية الأميركي والروسي أمس (السبت) الذي تحدث عن اتفاق على تدمير الأسلحة السورية الكيماوية وليس مجرد وضعها تحت الرقابة. وهنا يكمن مربط الفرس السورية؛ أي إنهاء فكرة الردع الاستراتيجي في المنطقة حتى إن كانت ليست ذات جدوى استراتيجية حقيقية، أي الهدف العميق من الصراع على مستقبل سورية الذي طالما وقفت خلفه أطروحات الديمقراطية وحقوق الإنسان وحماية المدنيين.
نحن أمام العملية التاريخية الثالثة في تفريغ المنطقة من أي محاولة للردع الاستراتيجي، جميعها ارتبطت بنظم شمولية استبدادية حاولت بناء قدرات استراتيجية خلافية في مدى جديتها وجدواها، ولكنها كانت بشكل أو آخر تشكل أساسا للردع النفسي، في الوقت الذي تحافظ فيه اسرائيل على تفوقها النوعي بكافة أشكال الأسلحة الاستراتيجية ومنذ عقود طويلة، كانت العملية الأولى في محاصرة العراق وتدمير قدراته الاستراتيجية، والعملية الثانية في ذهاب النظام الليبي بقدميه وطواعية في صفقة مع الغرب على تدمير أسلحته الاستراتيجية أو شبه الاستراتيجية، وإعادة هيكلة الجيش الليبي لكي يمد الغرب بعمر النظام الليبي.
أبعد ما يمكن أن تصل إليه أي خطة غربية بعد تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي في ضوء قراءة تطور خرائط القوة على الأرض مشفوعة بوعود وإغراءات غربية، هو نمط آخر من الانتقال السياسي يقضي بوصول حكم غير معاد للنظام الحالي أو على أقل تقدير أن يكون المؤيدون للنظام الحالي أحد الأطراف فيه، ونذكر أن رئيس الوزراء السوري قد اعلن العام الماضي ومن موسكو عن أن فكرة تنحي الرئيس قابلة للنقاش، بعد أشهر قليلة سيدرك العالم مدى السذاجة ورخص الإنسان في هذا الجزء من العالم حينما نشاهد كيف سيتم تقاسم السلطة في دويلات فديرالية او ما يشبه ذلك.
الهدف الحقيقي الذي حرك الصراع على مستقبل سورية والذي قاد إليه النظام السوري يتحقق في هذا الوقت بكل بوضوح، والفكرة المركزية خلف كل ما يحدث هو أمن اسرائيل حيث قاد غباء النظام السوري الى هذه النتيجة؛ اكثر من مائة الف قتيل وتدمير نحو نصف البنية التحتية للدولة السورية وتفريغ ما كان يسمى دول الطوق العربي من أي إمكانية، فيما تبدو فكرة الحفاظ على وحدة التراب الوطني السوري مشكوكا فيها، وفيما يبدو أن الحلم بدولة سورية ديمقراطية تعددية ومدنية أصبح أبعد ما يكون.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة د.باسم الطويسي. جريدة الغد