إلى أسابيع مضت كان النقاش النظري والمناورة على الأرض تدوران حول منظورين لفهم ما يحدث في المنطقة وإلى أين تسير؛ حرب شاملة أم صفقة شاملة وعلى ثلاثة محاور أساسية، هي الأزمة السورية والصراع التاريخي في الشرق الأوسط وتصفية آثار الربيع العربي وأزماته المعقدة. ويبدو اليوم أن الأمور تسير باتجاه منظور الصفقة الشاملة التي تذكرنا بسوابق من الصفقات التي شهدتها المنطقة خلال العقدين الأخيرين.
السؤال اليوم، ليس حول حقيقة الصفقة، بل إلى اين وصلت؟ وما مدى شموليتها؟ هذه خلاصة معطيات تقرأ في الأفق، فما يمكن ان يفعل بالسياسة سيتم بالتفاهمات والصفقات، وما يستعصي على السياسة سيحتاج الى أداة أخرى للتحريك، فقرارات إشعال المنطقة بأكملها كانت جاهزة إلى وقت قريب، ولكن حتى خيار الصفقة لا يعني أنه لن ينطوي على حروب صغيرة وعنف مصنّع يتم في أكثر من مكان.
 ثمة مؤشرات متصاعدة تتنامى يوما بعد يوم تشير إلى صفقة شاملة تقوم على تفاهمات بين الكبار وينفذها الصغار والكبار معا، عنوانها الأول سورية، فيما تمتد نحو بداية عملية تاريخية ثالثة بعد ( كامب ديفيد الأولى، مسار مدريد واوسلو ووادي عربة، المسار الجديد) في تصفية الصراعات التقليدية ثم إعادة هندسة الشرق الأوسط في ضوء وقائع الربيع العربي.
تبدو أجواء التفاهمات التي عادة ما تقود إلى فكرة الصفقات مواتية هذه المرة، التفاهم الظاهر منه والخفي حول مستقبل الصراع على سورية بين القوى الدولية، والتفاهمات الإيرانية الأميركية الآخذة في التنامي بسرعة، ولا ينفصل عن ذلك ما يحدث في سيناء من الجانب المصري. ما يعني اننا سنشهد قريبا مبادرات بعضها متوقعة وأخرى جريئة؛ مثل تطويرٍ لمبادرة السلام العربية يدخل عليها بعض التعديلات أو التفصيلات، ورفع لبعض العقوبات عن إيران وعودة النقاش الحاد حول دور حزب الله في لبنان.
 بقيت التقديرات الإقليمية إلى وقت قريب جدا تخرج القضية الفلسطينية من مسار التفاعل السياسى والاستراتيجي في المنطقة، حيث عُلِّق على زيارة أوباما للشرق الأوسط الكثير من الأوصاف، وأن لا رغبة ولا قدرة لدى الولايات المتحدة في تحريك الأوضاع في الشرق الأوسط، بل ذهب البعض إلى أن الأجندة الأميركية العالمية تتجه نحو آسيا والشرق الأقصى تحديدا، ولا مكان حقيقيا فيها للشرق الأوسط القديم ولا الجديد. وها هي التقديرات تعود خلال عدة أشهر من جديد للانقلاب على نفسها؛ فالتهديدات الكورية والمزاج السياسي في آسيا يدفع الولايات المتحدة إلى الحفاظ على الأوضاع القائمة هناك والاكتفاء بإدارة الصراع دون أي تورط في تحريكه، بينما تصل الصراعات والأزمات في الشرق الأوسط الى مرحلة من النضوج التي تبحث كل الأطراف عن حصة أو موطئ قدم فيها.  
 يبدو أن شروطا إسرائيلية وأميركية قد نضجت لإحداث تحول جديد سيشكل العملية التاريخية الثالثة التي ستكون بحجم العمليتين السابقتين ولكنها لن تنهي الصراع، ويبدو أن الجميع آخذ في التكيف استعدادا لهذه العملية التي قد تحتاج من عامين الى ثلاثة أعوام، حكومة فلسطينية جديدة وربما ائتلاف بين الفصائل، مصالحة منتظرة بين حماس وفتح، عودة متوقعة لبعض رموز العمل الفلسطيني الى الداخل، المزيد من الاقتراب التركي للمنطقة لم يحدث منذ سقوط الامبراطورية العثمانية  قبل قرن، تفاهمات أردنية فلسطينية على ملفات كبيرة عالقة ومؤجلة مثل ملف القدس، حل غير متوقع لمسألة اللاجئين. في المقابل ثمة إصرار على أن يخدم الحل العسكري أو السياسي في سورية هذه العملية بل سيكون المفتاح لها.

 

بقلم: د.باسم الطويسي​​​​


المراجع

alghad.com

التصانيف

صحافة   د.باسم الطويسي   العلوم الاجتماعية   جريدة الغد