قبل أيام نشرت صحيفة "هآرتس" مقالا مطولا؛ تتحدث فيه عن المكاسب التي حققتها "إسرائيل" من جراء الربيع العربي، وذهبت في استنتاجاتها، إلى مديات بعيدة تقول إن العرب يخربون أوطانهم!
وحاضر الأيام كما سابقها وقادمها، يقول إن ما ذهب إليه المحللون في دولة العدو، وغيرها من بلدان المركز الرأسمالي، ممن يحاربون فكرة خروج العرب من نير التبعية للغرب، يرى أن هذه الأمة لابد من أن تأكل نفسها، وتنهي كل مظهر من مظاهر الدولة الوطنية، رغم كل التحفظات على شكل ومضمون هذه الدولة، إلا أن تفكيكها ورميها خارج التاريخ أصبح ضرورة.
ولكن هذه الضرورة، لم تحتج إلى كثير عناء لتطبيقها، فقد نذرنا أنفسنا كمواطنين عرب من المحيط إلى الخليج للقيام بهذه المهمة على أكمل وجه، والنموذج العراقي والليبي حاضر بقوة حيث لا دولة والسلطة في يد من يمتلك السلاح.
والحال يتكرر في سورية، حيث التدمير قائم على قدم وساق وكل ذلك في سبيل الديمقراطية، التي ثبت بالوجه القطعي أننا نتحدث عنها ونتعامل معها، كحاطب ليل، أو حبة "علكة" في أحسن الأحوال؛ تلوكها بائعة هوى ثم ترمي بها في آخر الزقاق!
لم تعد هنالك مقدرة عقلية على فهم هذا الانحدار السريع والمدوي لحجم السقوط الذي منينا به، ولا يحمل المستقبل أي احتمال للخروج من هذا المأزق الذي وضعنا فيه أنفسنا، والنموذج المصري وضعنا أمام حقائق جديدة، وكرس مفهوم العسكر التاريخي في وجداننا العربي، فنحن أمة محاربة، ولكن تحارب ذاتها وبذاتها!
حاولت على مر السنوات أن أنسى أو أتناسى، لعبتنا المفضلة في الحارات والأزقة في زمن الطفولة العابث، عندما كنا نعتلي "عصا" طويلة أو " قصبة"، ونتخيلها حصانا نخوض به حروبا وهمية مع باقي أصدقاء الطفولة، ولم تكن هذه اللعبة حكرا على منطقة أو بلد بعينه، بل هي تكاد تكون ظاهرة، يلعبها أطفال العرب على امتداد الوطن العربي.
فكرة العسكر، فكرة مسيطرة وكامنة في وعينا، وأحسب أن المحللين والمفكرين العرب لم ينتبهوا لها أو يعطوها حقها الكافي من البحث؛ في بنية وتكوين ومستقبل العقل العربي، ففي الحالتين المصرية والتونسية، وكذلك ما حدث في "لبنان" مؤخرا، يؤكد على جذرية فكرة العسكرة في الوعي العربي، فشوارع بيروت في هذه اللحظة التي اكتب فيها المقالة، توشحت بالعديد من اليافطات التي تؤكد على ذات فكرة العسكرة والتي تؤيد ما قام به الجيش ضد الخارج على القانون في صيدا!
الانقلاب الشعبي على العسكر حالة مستحيلة، في الوعي العربي، فالإمكان الوحيد هو أن ينقلب العسكر على العسكر، ولكن بعد أن تحقق الحلم الغربي والصهيوني، في أننا خربنا أوطاننا، وأنهكنا قوتنا العسكرية وجيوشنا لإطفاء حرائق ربيعنا العربي. اعتقد أننا أصبحنا "القصبة" التي يركبها الغربي و"الإسرائيلي" ليمارس عبثه فينا!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد جهاد المحيسن