دخل إضراب المعلمين في العقبة، وتحديدا في مدارس الذكور، أسبوعه الخامس، من دون وجود أي أفق واضح للحل، بعد محاولات عديدة باءت جميعها بالفشل. يجري ذلك وسط حالة ارتباك وعدم وضوح في المسؤوليات بين المعلمين والنقابة ووزارة التربية والتعليم، فيما يدفع الطلبة وحدهم الثمن.
مرة أخرى، لم يتوافق المعلمون مع نقابتهم بشأن تعليق الإضراب، ومنح جهود التفاوض مع الحكومة فرصة لمدة شهر للوصول إلى حلول قابلة للتطبيق. بل ذهب المعلمون إلى التصعيد، رغم إعلان النقابة الأسبوع الماضي عن الوصول إلى توافق بتعليق الإضراب. 
المهم اليوم هو أن فكرة الإضراب للمطالبة بالحقوق وممارسة الضغوط على الإدارات الحكومية، تتعرض للتشويه، وتُستخدم أحيانا بأشكال متطرفة. ولا نشك بعدالة معظم مطالب معلمي العقبة بسكن كريم أو منحهم بدل السكن، وهو بالمناسبة مطلب لكافة معلمي الأردن؛ ويمكن مرحليا قبول حالة العقبة نظرا لبعد المسافة وارتفاع أجور السكن فيها كونها منطقة سياحية، وذات ظروف اقتصادية مختلفة. ولكن مع كل هذه الاعتبارات، لا يجوز بأي حال أن يُستَثْمَر الطلبة، وبهذه الطريقة. فالإسراف في استخدام الإضراب قد يأتي بنتائج غير متوقعة؛ إذ بات استخدام هذه الأداة يلاقي رفضا شعبيا واضحا، وتحديدا حينما يتعلق الأمر بالخدمات العامة، وعلى رأسها التعليم.
ما حققه المعلمون خلال آخر ثلاث سنوات، على درجة كبيرة من الأهمية؛ ويكفي إنجاز النقابة التي بقيت حلما على مدى عقود طويلة. وعليهم أن يحافظوا على هذا الإنجاز، وأن يبنوا عليه بترسيخ مصداقية النقابة وقدرتها على الفعل والإنجاز، والأهم هو ترسيخ ثقة الرأي العام بالنقابة؛ ما يتطلب من المعلمين خطوة تنظيم بالمفهوم السياسي والاجتماعي، أي أن يحسبوها جيدا. فالرأي العام هو الذي بقي واقفا إلى جانب إضراب المعلمين وقت المطالبة بالنقابة قبل عامين، وهو الذي حمى المعلمين من محاولات اجتثاث حقهم في التنظيم النقابي. والرأي العام أيضاً هو من حدّ من تغول الحكومات آنذاك؛ علينا تذكر أن أول من دفع ثمن النقابة هي الأسر الأردنية، حين فقد الطلبة أكثر من ربع العام الدراسي في عام واحد ولم يتم تعويضهم، وحصدنا ذلك في تراجع مستوى تحصيل الطلبة، كما يبدو في الاختبارات الدولية في الرياضيات والعلوم.
نحن بحاجة لأن نتعلم ثقافة الإضرابات. وقد قلنا جميعا ذلك وقت إضراب الجمارك، وها هو الأمر يتكرر في إضراب معلمي العقبة وبشكل أقسى. ومسألة بناء ثقافة الإضرابات تنال المجتمع والحكومة على حد سواء؛ فالإضراب أداة ضغط هدفها إيصال رسالة قوية لصانع القرار، وقد كان من المفترض أن ثلاثة أيام كافية لإيصال رسالة قوية، ليعود بعدها المعلمون المضربون إلى العمل، ويمنحوا الحكومة وأنفسهم والنقابة فترة للتفاوض، حتى لا يصبح الإضراب بحد ذاته هو الغاية والوسيلة معا. فهذا السلوك قد يجعل الرأي العام أكثر ميلا إلى تبني مطالب الإضراب والدفاع عنها. في المقابل، لا يجوز أن يتم التعامل بعقلية ثأرية مع المضربين من قبل المؤسسات والمسؤولين؛ فلا نريد أن يوفر ما يحدث المبررات لتصعيد من نوع آخر.
علينا أن نحافظ على الإضرابات والاعتصامات باعتبارها أدوات ثمينة ومجدية، تستخدم في الوقت المناسب وبالكيفية الملائمة.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  د.باسم الطويسي.   جريدة الغد