تتصاعد قوة إسرائيل في السيطرة على حقول الغاز المكتشفة حديثا قبالة شواطئ البحر الأبيض المتوسط بسرعة مطردة، إلى جانب بحثها المحموم عن موطئ قدم متين لها في أسواق الغاز العالمية. فيما تعد أخبار اكتشافات الغاز في "المتوسط"، والممتدة من الشواطئ التركية شمالا مرورا بالشواطئ السورية واللبنانية والقبرصية وصولا إلى الشواطئ الإسرائيلية والفلسطينية جنوباً، أحد المفاتيح لتحولات الصراعات والأزمات الممتدة في المنطقة.
المفارقة تبدو في الأنباء التي تتردد في هذه الأثناء عن مفاوضات لتصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصر عبر قبرص، بعد أن انقطع الغاز المصري عن إسرائيل، والذي كان يتدفق إليها منذ العام 2008 بموجب اتفاقية كان خطاب الثورة المصرية العام 2011 قد عدها اتفاقية مذلة، لم تراع الحقوق الوطنية المصرية. 
النوايا الإسرائيلية تتحدث عن سوق متوسطية للغاز الإسرائيلي، قبل التوجه نحو آسيا وأوروبا، على الرغم من الاتفاقيات التي أُبرمت مع قبرص واليونان. وتشمل السوق الجديدة عمليات تصدير واسعة، تهدف إلى تغطية حاجات السلطة الفلسطينية والأردن ومصر، في المرحلة الأولى.
خلال ثلاث سنوات، استطاعت إسرائيل الاستعداد جيدا للتحول من دولة مستوردة للغاز إلى دولة مصدرة له، وذلك بعد القرار الذي اتخذ منتصف هذا العام، وأقر تصدير نحو 40 % من إنتاج الغاز؛ إذ شهد الكنيست ومراكز صنع القرار نقاشات موسعة بشأن أفضل الطرق للتعامل مع عوائد الغاز الهائلة. واستناداً إلى الأرقام الإسرائيلية الرسمية الصادرة العام 2012، فإن احتياطي إسرائيل من الغاز الطبيعي يبلغ نحو 950 مليار متر مكعب، وهو ما يوازي  0.4 % من الاحتياطي العالمي. وربما يتضاعف هذا الرقم مرات مع توالي اكتشافات الحقول الجديدة.
رائحة اكتشافات الغاز الجديدة تملأ الشرق الأوسط. ويبدو أنها تقف خلف الكثير من التحولات والمواقف المستعصية، وتفسر كيف ستتحول إسرائيل خلال خمس سنوات إلى دولة تجمع القوة والثروة معا، كما ستتحول من أكثر كيان في العالم يعتمد على المساعدات، إلى دولة تتركز فيها الثروات. وإذا كان سلوك إسرائيل السياسي والاستراتيجي، طوال العقود الستة الماضية، قد اتسم بكل هذه العدوانية والتوسعية وهي تعتمد على المساعدات الغربية، فكيف سيكون سلوكها حينما تصبح قادرة على الاكتفاء وعلى تمويل مخططاتها؟!
الصراع على الغاز الجديد سوف يزداد وضوحا خلال الأشهر والسنوات القليلة المقبلة. ونلاحظ العجز اللبناني والسوري عن التقدم خطوة واحدة في استثمار حقول الغاز المتوقعة في مياه الدولتين الإقليمية، مقابل علاقة عودة روسيا القوية إلى الشرق الأوسط، وإصرارها على حماية النظام السوري بملف الغاز في الشرق الأوسط. فالروس، وهم المنتج الأول للغاز في العالم، لديهم إدراك واضح لمستقبل صناعة الغاز على شواطئ البحر المتوسط، بل إن هناك إدراكا متناميا في جهات عديدة من العالم بأن ثقل التأثير السياسي والاستراتيجي في الطاقة العالمية سوف ينتقل، خلال أقل من عقدين، من الخليج والنفط، إلى شواطئ المتوسط والغاز.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  د.باسم الطويسي.   جريدة الغد