كانت الطفيلة موعودة مع عدة مشاريع لتطويرها، ولكن للأسف لم تر غالبيتها النور. وبقيت الحفر في وسط المدينة شاهدا على مدى الترهل الذي يتعمده المسؤولون تجاه الطفيلة، وتصدعت البيوت المحيطة بها. وحتى هذه اللحظة، لم يجر أي شيء يذكر، ما زاد نسبة الإحباط لدى الناس هناك.
ورغم كل ما تم ترويجه عن جنوح الحراك الشعبي في الطفيلة إلى العنف، إلا أنه لم يسجل على مدى الأعوام الثلاثة الماضية أن الحراكيين أقدموا على كسر لوح زجاج واحد، بل على العكس؛ هم قدموا أنموذجا في العمل التطوعي، عندما قاموا بتنفيذ العديد من حملات النظافة في مختلف مناطق المحافظة.
بقيت قضية التنمية، بشقيها السياسي والاقتصادي، قيد النظر، وأصبح الحل الأمني هو الأسهل للتخلص من الحرج الذي أوقعت نفسها فيه الحكومات المتعاقبة، والتنصل من التوجيهات الملكية. وما لبث أن سعى أنصار التعطيل إلى شيطنة الحراك الشعبي، وخصوصا في الطفيلة وحيها في عمان، وأن المعتقلين يريدون "تقويض النظام"، من خلال بعض الهتافات التي تطلق هنا أو هناك!
وتم اعتقال معين الحراسيس بطريقة لم يعرفها المجتمع الأردني ولا الثقافة الأردنية. وتسبب هذا الاعتقال الشبيه بأفلام "هوليوود" البوليسية، في انهيار عصبي لابنته، استدعى نقلها الى المستشفى. لذلك، تم شحن الجو العام في حي الطفايلة في عمان، وازدادت حدة التوتر والغضب لدى سكان الحي على هذا السلوك العجيب الغريب في عملية الاعتقال التي تمت. وعلى هذا الأساس خرج الناس إلى الشارع.
وقد كتب وزير التنمية السياسية الأسبق وعالم الاجتماع الدكتور صبري الربيحات مقالة تحليلية لتاريخية الطفيلة وتاريخية الحي، وموقف الناس في الحي والطفيلة من أهم الأحداث التي مرت على تاريخ الأردن. حيث أكد فيها على النظرة "الاستشراقية" في التعامل مع الحي والمجتمع الأردني بشكل عام، والتي تؤكد في المحصلة النهائية أن بعض من يمسكون زمام الأمور في بلدنا لا يمتلكون الخبرة والدراية الكافية بالمجتمع وحركة الناس فيه، ما اضطر الدكتور الربيحات إلى الخروج عن صمته ونقد حالة التعامل الاستشراقي مع الناس.
ما حدث مع شباب حي الطفايلة يستدعي مراجعة نقدية وسريعة لطريقة التعامل مع الناس على امتداد رقعة الوطن كله؛ فليس من المعقول تنسيب تهم تتعلق بتقويض النظام في حين أن المفاصل التاريخية التي مر بها الوطن كان فيها أجداد هؤلاء المعتقلين وآباؤهم وإخوانهم حراسا للوطن منذ لحظة الانعتاق من الحكم العثماني، وسيكونون هم ذواتهم وأبناؤهم والأجيال المتعاقبة، إلى جانب كل الأردنيين، حراسا للوطن مهما كانت الظروف.
طي ملف معتقلي الحراك والإفراج عنهم فورا، ضرورة وطنية، تقتضيها المصلحة الوطنية التي كلنا حريصون عليها، خصوصا أننا نعيش ضمن إقليم ملتهب، لا تأمن فيه العقرب صاحبها. والنظر إلى الناس بعين المستشرق يؤكد المسافة الفاصلة بين الناس والدولة؛ فكلما فهمنا مجتمعنا حللنا مشاكلنا!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد جهاد المحيسن