ما قامت به الولايات المتحدة الأميركية، وتقوم به، من عمليات تجسس على مستوى العالم، وضعها في حرج شديد مع حلفائها الغربيين. أما مع تابعيها من المنظومة العربية، فالعلاقة "سمن على عسل". فرغم الضجة التي أثارها الغرب، لم نسمع أي ردة فعل عربية.
الولايات المتحدة في عملها هذا الذي تقوم به من خلال وكالة الأمن القومي، تعمد إلى الدفاع عن مصالحها وأمنها القومي. لكن بات من الواضح أن خريف التجسس الأميركي أصبح يطرق الأبواب؛ فلم تعد أوروبا تستطيع تحمل هذا السلوك رغم وجود مصلحة مشتركة للطرفين فيه، ما يطرح السؤال الأهم: هل بدأ "الربيع الأوروبي" للتخلص من الهيمنة الأميركية التي فرضتها ظروف ما بعد الحرب العالمية الثانية؟
تورط الولايات المتحدة في حروبها الخارجية في أفغانستان والعراق والصومال، وضعها في موقف حرج، وساهم بشكل مباشر في الحد من قوتها العسكرية والاقتصادية. وبدأ الحلفاء التاريخيون لها بالتخلي بشكل تدريجي ومنظم عنها. واحتلال العراق يشكل أنموذجاً لهذا التخلي المبرمج.
وما لبث هذا التخلي شبه الكلي عنها في حروبها أن أصبح حقيقة موضوعية، عندما قررت الولايات المتحدة توجيه ضربات عسكرية للدولة السورية، في محاولة منها لتعزيز موقف ما تسمى المعارضات السورية، وذلك بعد أن فشلت تلك المعارضات متعددة الأهواء والملل والأعراق، في تحقيق الأهداف التي رسمها الشركاء لها، من العرب والغرب وأميركا.
فقد تخلت بريطانيا عنها، ورفضت من خلال برلمانها المشاركة في هذه الضربات. وتبعها في هذا الموقف باقي الحلفاء من أوروبا. وبقيت فرنسا المسكونة بالعداء للعروبة والإسلام تاريخياً، رغم محاولتها المكشوفة لتغطية وجهها القبيح المعادي للأمة، تحث الراعي الأميركي على العدوان على سورية، لكن فشلت في مسعاها هذا، وتراجعت الولايات المتحدة عن موقفها بضرب سورية.
أوروبا تعلم منذ عقود طويلة أن الولايات المتحدة تتجسس عليها، ولكنها لم تكن تملك اللحظة التاريخية الحاسمة لفك هذا الارتباط الاستخباري الذي كان يقيدها، بحكم الهيمنة الأميركية على العالم، وصراع الغرب مع الاتحاد السوفيتي سابقاً؛ فبقيت تغض الطرف عن هذا السلوك، لوحدة المصالح ووحدة الهدف في محاربة المد الشيوعي.
لكن بعد تغير موازين القوى عالميا، وبروز قوى جديدة، على رأسها روسيا والصين والهند وجنوب أفريقيا، بات من المحتم على أوروبا في ظل هذه التغيرات الجديدة، وخصوصا بعد أن أصبحت تفقد الورقة الرابحة من خلال مجلس الأمن الذي اختطفته الولايات المتحدة وشرعت له التحرك عسكريا ومخالفة كل القوانين، أن تعلن "ربيعها"، وتعيد قراءة هذه العلاقة بشكل يؤمّن لها موطئ قدم في شكل مستقبل العلاقات الدولية، مع الإبقاء على علاقة أكثر تحرراً مع الحليف التقليدي!
ولكن ماذا عن العرب؟ هل سيعلنون أيضا "خريف التجسس" الأميركي في أوطاننا؟

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   جهاد المحيسن