يتنقل خطاب ما تسمى المعارضة السورية، بحسب ما تقتضيه شروط الممولين لهذه الحرب ولتلك المعارضة. فبعد أن تم استنزاف كل الخطابات المتعلقة بالتحريض المذهبي والطائفي وفشل الرهان على هذا الوتر، وكذلك تراجع الحديث عن استخدام السلاح الكيماوي، بات خطاب جديد يطرح على ساحة الصراع الدائر في سورية تروج له المعارضة وهو الاحتلال الإيراني لسورية! وأن مهمة التحرير من هذا الاحتلال أصبحت المهمة الوطنية الأولى التي تسعى المعارضات السورية لإنجازها، وهذا الحديث يرتبط ارتباطا مباشرا بمواقف الدول التي ساهمت وتساهم في تخريب سورية وتقاتل من أجل استمرار الحرب وتدمير ما تبقى من الوطن السوري، فهي تقف في وجه أي حل سياسي يمكن أن ينقذ ما تبقى منها.
ورغم هذا كله لم تستوعب هذه المعارضات أيا من الدروس القاسية والخسارات التي منيت بها في الساحتين الدولية الداعمة لها، والعسكرية على الأرض، وبقيت مخلصة لفكرة التدمير والخراب، فهي تصر على ملاحقة كل ما يقوّض أي مصداقية لها أمام بعض المناصرين لها من الشعب السوري، وتهاوي وجودها على الأرض بنفس السرعة التي برزت فيها.
وقياساً على هذا التهاوي، والتبعية المطلقة لبرامج الممولين من العرب، برز الخطاب الجديد الذي تزامن مع الحديث الدولي المكثف عن "جنيف 2"، أن الإيرانيين يحتلون سورية وأن قضية التحرير هذه تستدعي جهدا دوليا، لتخليصهم من الكابوس الإيراني الذي يجثم على صدور السوريين، هكذا خطاب يكشف عن زيف تلك الدعاوى، ولا يدع مجالا للشك أن نهاية المعارضات السورية أصبحت مسألة وقت، حتى لو أن النظام في سورية انتهى!
الخطاب الحالي الذي تروج له دوائر صنع لقرار لهذه المعارضة، لن يقدم أو يؤخر في المشهد على الأرض، فحجم الخسارة التي تمنى بها المجموعات المقاتلة على الأراضي السورية من قبل الجيش العربي السوري، والقوى الشعبية التي وجدت أن مصلحتها في تحرير سورية من هذه المجموعات صدم كل القوى الداعمة لمشروع الدمار في سورية.
لذلك كان لا بد من وضع العربة أمام الحصان والحديث عن "احتلال إيراني" لسورية، حتى يتسنى لهم تعطيل أي فرصة لإحلال السلام في سورية، وبدا من الواضح أن هذا السلوك يعبر عن كيفية الصراع الدولي الدائر على سورية وأن مختلف الأطراف الفاعلة فيه تسعى في كل مرة لإدامة الصراع، بغض النظر عن حجم الخسائر البشرية والمادية، التي تحدث يوميا، طالما أن هذه القوى مرتهنة في حركتها لهم.
إيران طرف في الحرب الدائرة على سورية، ولا تنكر هذا، فهي تتحدث عن الدعم المادي للنظام السوري، ولكنها لم تقدم نفسها على أنها تحتل سورية، ولا يعتقد أي عاقل في الدنيا أن السوريين يقدمون وطنهم على طبق من ذهب لا للإيرانيين، ولا لغيرهم.
لكن نكتة الساعة عند المعارضة اليوم هي الحديث عن الاحتلال الإيراني لسورية.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد جهاد المحيسن