على مدى عشرات السنوات، نجحت طهران في تحقيق جزء كبير من أحلامها، وحققت موطئ قدم لها في العراق ولبنان واليمن والبحرين وأفغانستان، وأصبح مجالها الحيوي قوة إقليمية يحسب حسابها، بغض النظر عن دوافعها أكانت مذهبية أم سياسية!
وتمكنت من تحقيق الكثير من الإنجازات، ولعل من أهمها على الإطلاق انتزاع الاعتراف الدولي والأميركي على وجه التحديد، بحقها في تخصيب اليورانيوم، لأغراض سلمية، الذي سيفسح المجال للآخرين بفتح هذا الباب الذي ظل حكرا على الدول القوية. ونحن العرب سندخل هذا المجال أذا أردنا ذلك من بوابة الفتح الإيراني، بمعنى آخر أننا كعرب سنبقى نرفل بثوب اللاحق بالآخر بغض النظر عن جنسه ودينه والجغرافيا التي يعيش فيها.
ولكن ما سِر هذا القبول المفاجئ للملف النووي والحديث المتكرر من قبل الرئيس أوباما للكونغرس الأميركي عن ضرورة تخفيف العقوبات الاقتصادية على طهران؟ فبحسب ما تشير إليه التقارير الغربية التي كشفت عن ثنايا هذا التقارب المفاجئ بين الطرفين، والتي تقول إن هناك صفقة أكبر من الملف النووي، والقصة لا تقف عند الأزمة النووية وحدها، بل ثمة ملفات أخرى لا تقل أهمية عن الملف النووي قد طفت السطح متعلقة بالساحتين الإقليمية والدولية؛ فبالإضافة إلى التفاهمات النفطية وما يتصل بالاستثمارات الغربية فيها، فإن هناك تفاهمات أخرى حول عددٍ من القضايا أهمها القضية السورية والعراقية ومسألة انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان.
لكن ماذا عن العرب وخصوصا الدول الخليجية، التي ترتبط بعلاقات خاصة جداً مع الولايات المتحدة، والتي تم التغاضي عنها، ولم يتم التشاور معها في أية تفصيلة بشأن هذه الاتفاقات؟ رغم أن كلا الطرفين الإيراني والخليجي مشتبك في علاقات سياسية واجتماعية ومذهبية معقدة؟
من الواضح أن الولايات المتحدة وباقي القوى الغربية، وجدت مصالحها مع طهران على الأقل في المرحلة الحالية، نتيجة للتغيرات الإقليمية والدولية التي فرضت شروطاً جديدة للعبة، تقتضي التخلي عن لاعبين قدامى لمصلحة لاعبين جدد؛ طالما أن اللاعبين القدامى قد فشلوا في تحقيق الحد الأدنى من طموح الولايات المتحدة والغرب في تحقيق تغييرات على الأرض، وخصوصا بما يتعلق بسورية وحزب الله اللبناني، فكان لابد من تغيير شروط اللعبة والرضوخ للنتائج على الأرض، وخصوصا مع دخول المتغير الروسي على الخط وبقوة، ما سيفسح المجال لموسكو للمضي قدما في مشاريعها في إيران وتنمية وتطوير برامجها النووية، ولم تخفِ روسيا ارتياحها لتطبيق اتفاق جنيف النووي الذي سيؤدي إلى إزالة العوائق الاقتصادية والسياسية أمام موسكو. وهذا الاتفاق سيعمل كذلك على تعطيل إنشاء الدرع الصاروخية الأميركية في المنطقة بعد زوال السبب لإنشائها، وبذلك أفسح هذا الاتفاق لروسيا التمدد سياسيا واقتصاديا في المنطقة.
ولكن ماذا عن البكّائين العرب؟ من الواضح أننا سنبقى نراوح مكاننا وننتظر عودة المُخلّص حتى ينهي عذاباتنا!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد جهاد المحيسن