لم يعد يخفى على أحد في الأردن، أن من أهم المشاكل التي تواجهنا على الإطلاق، هي عدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب؛ وكأنها لعنة أصابت الأردن، بحيث شلّت مفاصل الدولة، وأصبحت المحسوبيات والشلليات والمصلحيات هي التي تدير البلد. ما أدى بدوره إلى تعميق جذور الفساد، وأصبح  قدراً بات كثيرون يعتقدون أننا لا نستطيع الفكاك منه!
لكن واقع الحال يقول غير ذلك، عندما نحسن اختيار الرجال الذين يحرصون على هذا الوطن. فقد فجر د. حيدر الزبن، مدير عام مؤسسة المواصفات والمقاييس، قنبلة من العيار الثقيل، عندما كشف عن حجم الضغوطات التي تتعرض لها المؤسسة منذ عدة أشهر لتمرير شحنة أسطوانات غاز غير سليمة، من خلال التشكيك في نتائج ثلاثة فحوصات مخبرية أجرتها المؤسسة على الشحنة.
وحتى تقطع المؤسسة الشك باليقين، فقد قامت، ومن حساب مديرها الخاص، د. الزبن، بإعادة الفحص في مختبرات عالمية، للتأكد من صحة عدم صلاحية الأسطوانات المستوردة. وثبت بالوجه القطعي عدم صلاحية هذه الشحنة من الأسطوانات. وأثبتت المختبرات في كل من ألمانيا وبريطانيا أن الفحوصات التي قامت بها المؤسسة في البدء كانت صحيحة، وأن "النتائج لم تتغير" في مختبرات الغرب. وتؤكد النتائج "أن نصف العينة لدى كلا المختبرين كان ساقطا فنيا، ولم يلتزم بالمواصفات الآمنة، ما يجعلها خطرا على المجتمع"!
هذا الحرص الذي أبداه الدكتور الزبن على سلامة المواطن الأردني، لعلمه التام أن هذه الشحنة لو مرت لكانت عبارة عن قنابل موقوتة في كل بيت أردني، مرشحة للانفجار في أي لحظة. وربما لو مرت الشحنة "المضروبة"، لا سمح الله، كما كان يتوقع المستورد، لانفجرت تلك الأسطوانات في لحظة تعبئتها في المصفاة ذاتها؛ فما هي النتائج الكارثية على الصعيد المادي والبشري والبيئي التي ستتكلفها الدولة الأردنية، مقابل حفنة من الدنانير تدخل في جيوب بعض المتنفذين، الذين مارسوا وما يزالون هذا العمل المشبوه تجاه الوطن؟!
لم تكن هي المرة الأولى التي تقف فيها مؤسسة المواصفات والمقاييس على مثل هذه القضايا الخطيرة، فقد سبقتها أيضا شحنة من النظارات الشمسية، عليها أهم الماركات العالمية في هذا المجال، لتباع الواحدة في السوق المحلية بمئات الدنانير، والتي تم استيرادها من قبل أحد المتنفذين. إذ أثبت الفحص أن هذه الشحنة من النظارات عبارة عن تقليد للماركات الأصلية، وأن ثمنها في السوق لا يتجاوز الدينارين!
نحن في البلد بحاجة ماسة إلى أمثال الدكتور حيدر الزبن وغيره من المسؤولين الحريصين على سلامة وأمن هذا البلد. فقد اكتوينا ولسنوات طويلة بنار مجموعات متنفذة عديمة الضمير، لا تقيم أي وزن لا للدولة ولا للمواطن. وبحكم السلطة والنفوذ اللذين تمتلكهما، مارست هذه المجموعات كل أنواع الفساد، وساهمت في ترويجه. والغريب في الأمر أنها تدعي المحافظة على مصلحة الوطن!.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   جهاد المحيسن