وقفات مع رد فضيلة الشيخ عبد الله بن منيع
 
طالعتنا صحيفة الوطن في عددها رقم (2896) يوم الأربعاء 3 رمضان 1429هـ ، برد فضيلة الشيخ عبد الله بن منيع على فضيلة الشيخ صالح الفوزان –حفظهما الله تعالى- بخصوص التوسعة الحديثة للمسعى ، وتوضيح الشيخ ابن منيع حول النقاط التي جعلته يتراجع عن اعتراضه السابق على توسعة المسعى .
 
 
ومما لا شك فيه أن التوضيح السابق من فضيلة الشيخ ابن منيع ورده على الشيخ الفوزان ، يقع ضمن الردود العلمية والأصيلة بين العلماء ، ويضرب لنا مثل واضحاً وجلياً على الدقة والموضوعية في شريعتنا السمحاء ، مما ينفي عنها انتحال المبطلين وادعاء المفلسين من أن الشريعة الإسلامية لا مكان فيها للنقد والتوضيح ، وأنها تدعي العصمة للمشايخ والأولياء ، فهذان علمان من أعلام أهل السنة والجماعة في الوقت الحاضر يمتثلان مقولة الإمام مالك رحمه " كل أحد يؤخذ من قوله ويرد عليه إلا صاحب هذا القبر صلى الله عليه وسلم‏".
 
وفي خضم اطلاعي على التوضيح الذي ذكره فضيلة الشيخ ابن منيع أحببت أن أقف مع التوضيح عدة وقفات مهمة ، وهي ليست وقفات فقهية أصولية حول مشروعية توسعة المسعى ، بقدر ما هي وقفات توضح وتستفسر عن بعض ما أشكل عليّ ، مع علمي ويقيني بأني لست مؤهلاً لهذه الوقفات ، لكن يدفعني في ذلك ما دفع فضيلته لكتابة التوضيح والرد ، بالإضافة إلى ما ذكره فضيلته بقوله " أنني لا أدعي العصمة لنفسي فأنا ممن يشملهم قول الله تعالى: (وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً)" ، كذلك يدفعني وبشدة للكتابة ما يتمتع به فضيلة الشيخ ابن منيع من أخلاق العلماء العاملين ورحابة صدره للملاحظات –ولا نزكي على الله أحدا- ،.
 

الوقفة الأولى :

في قول فضيلة الشيخ عبدالله ابن منيع " أسجل في هذه المداخلة رأيي في فضيلته وأهليته للعلم والقول والفتوى وأنه - حفظه الله - من أتقى علماء بلادنا وأصلحهم وأقواهم حجة وصبراً على بيان الحق والصدع في أدائه ".
 
وهذا من أخلاق العلماء الذين يحفظون منزلة من يردون عليهم ، وينزلون الناس منازلهم ، وبالتالي فإن المخالفة في الرأي لا تفسد للمردود قيمته ومكانته وجهوده ، ولا تسمح للراد من أن ينال من المردود وأن يهضم حقه ، وهي درس لكل من يريد أن يتعلم كيفية الحوار ، واحترام الرأي الأخر المبني على القواعد المعتبرة ، فلله دركما من شيخين فاضلين ، وحفظكما الله تعالى ونفع بكما . 
 
 

الوقفة الثانية:

في قول فضيلة الشيخ عبدالله ابن منيع " وقد كفانا - حفظه الله - الكثير من الردود على من يستحق الرد عليه من رويبضة ونطيحة ومتردية فجزاه الله خيراً وجعل ذلك في موازين حسناته. وقولي هذا لا يعني ادعاء العصمة لفضيلته فكلنا خطاؤون وخير الخطائين التوابون. "
 
وهذه العبارة شهادة من فضيلة الشيخ ابن منيع لجهود فضيلة الشيخ صالح الفوزان الدعوية والعلمية ، وتوضح مدى علم الشيخ الفوزان وامتداده و تأثيره على مجتمعه ووطنه بالنصيحة والإرشاد ، وهذا مصداق لحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث قال : ( الدين النصيحة ، قلنا : لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ، ولكتابه ، ولرسوله ، ولأئمة المسلمين وعامتهم ) رواه البخاري و مسلم .
 
وهذه مهمة العلماء العاملين الذين أخذ الله عليهم الميثاق لتبليغ دينه ونشره ، ونفي ما يضره ويشوبه من شبه وفتن ، ليقيم سوق الأمر بالمعروف ورأسه التوحيد، والنهي عن المنكر وأصله الشرك، وليحافظ على وحدة الصف وجمع الكلمة، وليقيم طَول الإسلام وقوته وظهوره على الدين كله ولو كره المشركون، وليحطم الأهواء ولو كره المبتدعون، وقمع الفجور ولوكره الفاسقون، ورفع الجور ولو كره الظالمون.
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في بيان منزلة هذه الوظيفة:
  ((فالمُرْصَدون للعلم عليهم للأمة حفظ الدين وتبليغه، فإذا لم يبلغوهم علم الدين أو ضيعوا حفظه؛ كان ذلك من أعظم الظلم للمسلمين ولذلك قال تعالى:] إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاّعِنُونَ[فإن ضرر كتمانهم تعدى إلى البهائم وغيرها فلعنهم اللاعنون حتى البهائم)) ا.هـ.
ومن لازم هذه الوظيفة الشرعية الرصد لتحرك أي شبهة وإثارة أي شهوة حتى تُنقضَ على أهل الأهواء أهواءهم في حملاتهم الشرسة وهزاتهم العنيفة، وليبقى الإسلام صحيح البنية على ميراث النبوة نقياً صافياً، وعلى المسلمين هدياً قاصداً.
 
وهذه من مهام وظيفة حراس الشريعة، القائمين عليها من العلماء والدعاة وطلبة العلم وغيرهم، نرجو من الله أن نكون وإياكم منهم.
إلا أن جهود الشيخ صالح الفوزان لا تعفي ولا تكفي غيره عن القيام بواجبه تجاه ما يتعرض له ديننا ووطننا ومبادئنا من حملات غاشمة وقوية ، تهدف للنيل من ذلك كله ، فأين جهود بقية طلبة العلم ، وأين المزيد من جهود فضيلة الشيخ ابن منيع تجاه ذلك ، أين ردوده المفحمة والقوية والتي عهدناها في مثل كتابه القيم " حوار مع المالكي في رد ضلالاته ومنكراته" .
 
لماذا يصر السواد الأعظم من العلماء وطلبة العلم والمفكرين والتربويين الذين نهجوا المنهج السلفي وعرفوه ، لماذا يصرون على عدم المشاركة في الرد ، وكأني بهم تركوا الشيخ صالح الفوزان وبعض من إخوانه من العلماء وطلبة العلم في المعترك ، واكتفوا بقولهم "كفونا" ، نتمنى يا فضيلة الشيخ – وأنت أهل لذلك- كما سطرت هذا التوضيح والرد على فضيلة الشيخ صالح الفوزان ، أن تُنهض الهمم وأن تسطر لنا المزيد من ردودك العلمية القوية على المخالفين والذين وصفتهم بأنهم " رويبضة ونطيحة ومتردية " 
 

الوقفة الثالثة :

في قول فضيلة الشيخ عبدالله ابن منيع " لكننا نقول: - هداك الله وأرشدك للحق - هل لديك دليل عقلي أو نقلي من كتاب الله أو من سنة رسوله على أن هذه التوسعة خارجة عن بينية ما بين الصفا والمروة؟ ألا يكفيك ثلاثون شاهداً كلهم أكبر منك سنا وغالبهم من أهل مكة وأهل مكة أدرى بشعابها".
والرد حول شهادة الشهود ذكره الشيخ صالح الفوزان في رده بعنوان "الصفا والمروة من شعائر الله وشعائر الله لا تغير" حيث قال :
"والذين شهدوا على امتداد الصفا والمروة شهادتهم مخالفة للواقع المشاهد ومخالفة لما درج عليه المسلمون من اعتبار المسعى محصوراً فيما بين الصفا والمروة البارزين فلو علموا أن هناك زيادة لأدخلوها فيه لأنه لا يجوز انتقاص أرض المشاعر ولا الزيادة فيها لأن هذا يتنافى مع حرمتها وعليه فلا تجوز الزيادة في مساحة المسعى" .
 
ووضح ذلك توضيحا شافياَ في رده بعنوان "فتنة التوسعة في المسعى والرد على شبهات المجيزين لها" حيث قال : 
" كما قررت ذلك قبلهم اللجنة العلمية المشكلة برئاسة سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي المملكة العربية السعودية -رحم الله الجميع- وصمم مبنى المسعى بناء على قرارها وجعل له سوران يحيطان به من جهة الغرب والشرق ولم يعترض على ذلك أحد من علماء زمانهم لأن مساحة المسعى قد استغرقت ما بين الصفا والمروة الذين جعلهما الله شعارين على حدود المسعى وقد صعد عليهما النبي -صلى الله عليه وسلم- وسعى بينهما مفسرا بذلك قول الله تعالى: (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) وقال عليه الصلاة والسلام: (خذوا عني مناسككم) .
والجواب عن ذلك من وجوه:
الوجه الأول: أن يقال أين هؤلاء الشهود وقت تحديد المسعى على يد اللجنة الشرعية برئاسة الشيخ محمد بن إبراهيم؟ لماذا لم يدلوا بشهادتهم حينذاك؟
الوجه الثاني: أن الشهود لم يقولوا أدركنا الناس يسعون خارج الحد الشرقي الذي وضعته العمارة الحديثة على عهد الملك سعود وأن المسعى قد اختزل بعد ذلك" .
 

الوقفة الرابعة :

في قول فضيلة الشيخ عبدالله ابن منيع :"حصر فضيلته النظر الشرعي فيما يتعلق بأحكام الحج لا سيما المسعى في علماء المملكة وأن غيرهم من علماء المسلمين ليس لهم حق في التدخل في ذلك"
وحتى يتضح معنى كلام الشيخ صالح الفوزان في قضية النظر من علماء المسلمين يجب أن نرجع لكلام الفوزان في مقاله بعنوان "فتنة التوسعة في المسعى والرد على شبهات المجيزين لها " ، مع الأخذ بعين الاعتبار أن المملكة العربية السعودية لم تطلب من أحد من علماء المسلمين الفتوى في ذلك ، أو على الأقل لم يعلن ذلك بشكل رسمي ، وإنما كان ذلك فعل الصحافة فقط ، ولنقرأ سوية قول الشيخ صالح :
" وبعد صدور قرار هيئة كبار العلماء المذكور تدخلت الصحافة معارضة له واستنجدت بأناس من خارج المملكة مختلفي المشارب واستصدرت منهم  فتاوى وآراء مخالفة للقرار الصادر من هيئة كبار العلماء في المملكة بصفة ملفتة للنظر ومخالفة للمألوف في أن قضايا المملكة يختص النظر فيها بعلمائها المعتبرين.
قال تعالى: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) وكما أن علماء المملكة سياسيا لا يتدخلون في قضايا خارجة عن بلادهم فكذلك يجب أن لا يتدخل غيرهم في قضاياهم. لكن يظهر من هذا الصنيع محاولة الصحافة إسقاط اعتبار علماء المملكة. ولماذا لم يستفت هؤلاء الذين هم خارج المملكة في العرض الأول في عهد الملك سعود والشيخ محمد بن إبراهيم رحمهما الله. والحمد لله جاءت الفتاوى والأقوال المخالفة لقرار هيئة كبار العلماء متهافتة مبنية على شبهات مختلفة. ولو كانت فتاواهم وأقوالهم صوابا لما اختلفت مستنداتها كما قال تعالى: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) –
 

الوقفة الخامسة :

مع بعض الألفاظ التي كان من المفترض إلا تصدر من فضيلة الشيخ عبدالله بن منيع –حفظه الله- وذلك لبعدها كل البعد عن المنهج العلمي في الرد ، ولبعدها كذلك عن تحقيق الحق وتوضيحه ، وتسمح لمن أراد أن يعكر الصفاء أن يفعل ،ومن ذلك قول فضيلة الشيخ عبدالله ابن منيع :
• "ولعل فضيلة الشيخ يوسع دائرة نظره الفقهي ".
• "وحينما قرأت هذه المقالة وجدتها سرابا كنت أحسبه ماء"
• "يا فضيلة الشيخ هل وصلت بك الغفلة إلى أن تقول هذا القول؟ ".
 
 
ختاماً : أكرر بأنه ينبغي أن يتمعن العديد من كتاب الصحف وغيرهم في رد فضيلة الشيخ عبدالله بن منيع ليتعلموا كثيرا من العلم والأدب الجم ، الذي يظهر علم وأخلاق العلماء . والله من وراء القصد
 

المراجع

موسوعة الأبحاث العلمية

التصانيف

الأبحاث