وقّعت سلطة إقليم البترا ووكالة الإنماء الدولية اليابانية (جايكا) أمس اتفاقية لإنشاء متحف آثار البترا بقيمة ستة ملايين دولار ليكون أول متحف حقيقي يجمع ويحمي آثار البترا التي تعرضت وعلى امتداد ألفي عام إلى عمليات نهب وسرقة وتفريغ أشدها في القرن العشرين الماضي. 
 هذه الخطوة، أهم إنجاز يحسب للدولة الأردنية في حماية آثار حضارة الأنباط التي من المفترض أن تكون جذر الهوية التاريخية للدولة والمجتمع، الغريب والمفارقة أن بعض الجهات على هوامش الدولة، جمعيات وأفرادا، تعارض هذه الخطوة وتحشد ضدها. وهي جهات طالما استفادت من الفوضى والتخريب الذي شهدته البترا في السابق بالادعاء أنها تحمي الآثار ولدينا الأدلة على حجم الخراب.
 تعد البترا واحدة من المدن الكلاسيكية القليلة في العالم التي تقدم صورة لمدينة شبه متكاملة ما تزال مبانيها الكبيرة صامدة، لكنها من أكثر المدن التراثية حساسية للتخريب ومن أكثر المواقع التي شهدت نهبا وسرقة لآثارها؛ وهي عمليات ساهم فيها القريب والبعيد. ولا يكاد اليوم يوجد متحف غربي من المتاحف الشهيرة إلا يحوي عشرات القطع التي نهبت من البترا.
الرؤية بالعين تثبت حجم الخراب الذي نال هذه المدينة والذي ازداد بشكل متسارع خلال العقدين الماضيين؛ يكفي النظر إلى حجم تأثير عوامل الحت والتعرية في الواجهات المعمارية الفخمة الفريدة على مستوى الفن المعماري الذي عرفته البشرية، يكفي النظر إلى الخراب والتدهور الذي لحق بآثار أعظم نظام للري وإدارة المياه عرفه التاريخ، يكفي النظر إلى آخر المصائب المتمثلة في الانهيارات والشقوق في السيق والتي تنذر بكارثة ترتكب بحق الحضارة الإنسانية إذا ما انهار سيق البتراء أحد أعظم رموز تراث الثقافات والطبيعة. 
  هناك عوامل عديدة تقف خلف التدهور السريع الذي لحق بآثار البترا، أهمها العوامل الطبيعية ومؤخرا التغير المناخي، ثم العوامل البشرية والتنمية العشوائية التي شهدتها المنطقة خلال العقدين الماضيين والتي بالتأكيد لم تكن صديقة للبيئة التراثية، ثم انحسار الغطاء النباتي في المناطق المحيطة، حيث شكل ذلك الغطاء خط الدفاع الأول عن المدينة الأثرية على مدى مئات السنين. ويبقى العامل المهم الذي يتقاطع مع العوامل السابقة يتمثل في العامل البشري وفي الأنشطة اليومية التي تحدث في الموقع. 
يفتح هذا الملف الحديث بقوة حول واقع أحوال البيئة الأثرية والتراثية في الأردن وما تحتاجه من إسعاف سريع، وهذا لا يقلل بأي شكل من جهود دائرة الآثار العامة وإنجازاتها ولا يعفيها من المساءلة والمطالبة بأجوبة شافية، فلقد آن الوقت لإعادة النظر في قانون الآثار العامة الذي ما يزال يعرّف الأثر بما يعود فقط الى عام 1700 ويتجاوز مراحل مهمة من تاريخ البلاد وتراثها.
 ولعل هذا الواقع يدعو الى ضرورة التفكير جديا بإنشاء مجلس وطني للآثار والتراث يعيد مأسسة إدارة التراث الوطني وحمايته وسبل الانتفاع منه واستدامته، بالاستفادة من الخبرات الأردنية وتوسيع قاعدة اتخاذ القرار في هذا المجال الحساس والمهم.  
خطوة إنشاء متحف آثار البترا خطوة الى الامام؛ فقد استطاعت سلطة إقليم البترا تحقيق بعض الإنجازات ولكنها ما تزال محدودة وتحتاج الى المزيد من الدعم وإلى غطاء سياسي؛ فثمة مشكلات مزمنة لا يمكن تأجيلها أكثر من ذلك، وأهمها إعادة تنظيم علاقة المجتمعات المحلية بالموقع بما ينعكس على حماية المدينة الأثرية وعلى تحسين نوعية حياة هذه المجتمعات. علينا أن نتصور حجم العائد والقيمة المضافة للاقتصاد الوطني إذا ما استطعنا أن نصل إلى معادلة حماية الموقع وزيادة حجم السياحة، وعلينا أن نتصور أن كل يوم نتأخر فيه عن إنقاذ البترا يعني أننا نخسر عشرات السنين من عمر هذا الموقع العالمي، ويعني أننا سنصحو ذات يوم نبكي على ذكرى مدينة تراثية لم نحسن الحفاظ عليها.

المراجع

alghad.com

التصانيف

صحافة  د.باسم الطويسي.   جريدة الغد   حماية الآثار