اعتاد الخطاب الرسمي العربي ووسائل الإعلام وصف القمم العربية دوما بالاستثنائية، نظرا لاستمرار حلة الطوارئ العربية دون انقطاع على مدى عقود طويلة، لذا فقمة الكويت التي تعقد هذا الأسبوع غير استثنائية؛ فهي تأتي في سياق استمرار حالة الطوارئ العربية، وما تشهده من تعقيدات، بل الاستثنائي الوحيد المنتظر هو الخوف على مستقبل مؤسسة القمة ومدى قدرتها على الصمود وقدرتها على جمع الزعماء العرب تحت سقف واحد لكي يختلفوا ويتعاركوا.
تعقد القمة هذه المرة تحت شعار "التضامن لمستقبل أفضل" وسط خلافات حادة بعضها جديد وأخرى طارئة تتجاوز خطوط الاشتباك العربية التقليدية؛ منها الخلافات الخليجية الجديدة القديمة والخلاف المصري القطري والخلافات العراقية السعودية والخليجية، والخلافات والانقسام الفلسطيني الداخلي، ومع هذا لم يوضع بند المصالحة العربية على جدول أعمال القمة، فيما تتوجه الأنظار لسحر الدبلوماسية الكويتية وما تملكه من احترام عربي للقيام بالمهمة، وهنا تكمن واحدة من مشاكل العمل العربي أن الخلافات لا تحل بشكل محترف ومؤسسي، بل بشكل شخصي يغلب عليه الطابع الشخصي والعاطفي ما يبقي تلك الخلافات مستمرة تنتظر مناسبة جديدة لتبرز مرة أخرى.
من حس الطالع أو ربما ما يحفظ ماء وجه الجامعة العربية أن القمة تعقد في الكويت التي تتمتع بعلاقات جيدة مع كافة الدولة العربية ولم تدخل في دوامة الصراعات البينية العربية والاقليمية، ما يجعل الأمر وكأن القمة تأتي لإثبات قدرة الجامعة على المحافظة على ديمومة انعقاد القمة لا أكثر، حيث من المتوقع أن يغيب نصف الزعماء العرب عن القمة لثلاثة أسباب أساسية، الأول:  الخلافات العربية والأحوال القسرية كما هو الحال بالنسبة لليبيا أو تجميد العضوية بالنسبة لسورية. والثاني: وجود زعماء عرب اعتادوا عدم حضور القمم أو المشاركة بالحد الأدنى مثل سلطان عُمان وملك المغرب. والثالث: المرض، فهناك جيل من الزعماء العرب الذين ما يزالون على رأس السلطة ووصل الحال ببعضهم أنهم لا يقدرون على الحركة والسفرإلا من أجل العلاج.
من مفارقات القمم العربية ومنذ عقدين وجود بند إصلاح الجامعة العربية والعمل العربي المشترك والدعوة الى ميثاق جديد، ومع ذلك بقي هذا البند دون أن يتقدم حخطوة جادة، ومن المفارقات الأخرى وجود طلبات للانضمام للجامعة وهي من تشاد التي أبدت رغبة في الانضمام للجامعة بعد أن اعترفت باللغة العربية لغة رسمية في البلاد، وطلب آخر من دولة جنوب السودان، ما قد يجعل فكرة صيغة انضمام إيران أو اسرائيل للعمل المشترك الاقليمي قابلة للنقاش !
إن مشكلة النظام الإقليمي العربي تدور حول القيادة والدور؛ الحقيقة أن الوظيفة القيادية في النظام الإقليمي العربي معطلة وقد تم تشتيتها منذ نهاية السبعينيات, على الرغم من أن وظيفة القيادة في أي نظام إقليمي في العالم هي عنصر أساسي لبلورة هذا النظام وقياس مدى فاعليته، فقد كان عنصر القيادة في النظام العربي الرسمي ومنذ نشأة هذا النظام في النصف الثاني من عقد الأربعينيات خاضعا لأنماط توزيع القوة من خلال نمط الإمكانيات ونمط السياسات ونمط التحالفات، وحافظت مصر طوال فترة حكم عبد الناصر وحتى أواخر السبعينيات على زعامة هذا النظام. ومع ازدياد نفوذ النفط وتأثيره بعد حرب رمضان وسلوك مصر السياسي الذي قاد إلى تغيير معادلات الصراع العربي الإسرائيلي وفي ضوء القراءة العربية آنذاك لهذا السلوك، ظهرت بوادر تشتت الوظيفة القيادية، الأمر الذي انتهى كما هو معروف بنقل مقر الجامعة العربية من القاهرة؛ إذ إن دولة المقر كانت ترمز إلى الدور القيادي وسبق ذلك وصاحَبه شد باتجاهين؛ الأول بالغ في نفوذ السعودية وتأثيرها في المنطقة وقدرتها في التأثير على الولايات المتحدة الى جانب قوتها الدولية في العالم الإسلامي، والثاني بالغ في قوة مصر وتأثيرها في المجالين العربي والدولي وقدرتها على إعادة ترتيب أولويات هذا النظام وانتشاله من حالة التفكك والضعف.
   أول ما ينهار في النظام الإقليمي القيادة وأول ما يتم إعاة بنائه القيادة أيضا؛ ويبدو اليوم أن لا أفق واقعيا لاستعادة قوة وحضور القيادة الإقليمية.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  د.باسم الطويسي.   جريدة الغد