في اليوم العالمي لحرية الصحافة، فرصة للتوقف مطولا أمام الحريات الإعلامية في بلادنا، وما لحق بها من تراجع خلال الأعوام الأخيرة، والعام الماضي تحديدا. وكذلك حجم الأثمان التي ندفعها نتيجة هذا التراجع.
فقد سجل تقرير مقياس "بيت الحرية" الذي صدر في هذه المناسبة، تراجعا غير مسبوق في مكانة الأردن، بمقدار عشرة مراكز عن العام الماضي. إذ جاء ترتيب الأردن، بين دول العالم، في المركز 155 هذا العام، مقابل 145 للعام الماضي. وعلى الرغم من أنه في الحالتين بقي تصنيف الأردن "دولة غير حرة"، إلا أن هذه هي المرة الأولى منذ سنوات طويلة، التي تتراجع فيها مكانة الحرية الصحفية بهذا المستوى. وهو ما ذهبت إليه نتائج دراسة مسحية أخرى قامت بها نقابة الصحفيين مؤخرا.
 في تقرير "بيت الحرية" لهذا العام، هناك 2 % من شعوب الشرق الأوسط تتمتع بحرية صحفية، ويقصد بذلك إسرائيل التي انتقلت من "حرة جزئيا" إلى "حرة". بينما سجلت معظم دول "الربيع العربي" تراجعا؛ كما هي الحال في مصر وليبيا، وفي دول أخرى مثل الإمارات العربية والعراق، مع استمرار التدهور في سورية. هذا فيما تحسنت أحوال حرية الصحافة إلى حد ما، في الجزائر واليمن والسلطة الفلسطينية.
تكاد تكون المعوقات التشريعية هي الأبرز في إعاقة تقدم الحريات الإعلامية في الأردن. فقد أفرد التقرير مساحة واسعة للحديث عن قانون المطبوعات والنشر، وما أحدثه من قيود جديدة على المواقع الإلكترونية، أدت إلى إغلاق نحو 200 موقع إلكتروني، في وقت صارت حرية الإنترنت تشكل حساسية جديدة في تقييم حريات التعبير بشكل عام.
وقد سجل الأردن خلال العشرين سنة الماضية تقدما على مقياس حرية الصحافة لمرتين فقط؛ فيهما انتقل في التصنيف من دولة "غير حرة" إلى "حرة جزئيا". وذلك في العام 1994، حينما شهدت البلاد ازدهارا في الحريات العامة بعد صدور قانون المطبوعات للعام 1993، وبداية ازدهار الصحافة الأسبوعية وارتفاع سقف الحريات بشكل عام؛ وفي العام 2004 عندما أخذ الأردن خطوات محدودة نحو تعزيز الحرية الصحفية، بإزالة بعض القوانين التي تعيق تقدم الصحافة والإعلام، فتم استبدال وزارة الإعلام بالمجلس الأعلى للإعلام (2003)، وتمتع الأردنيون بالوصول الحر إلى الإنترنت غير المقيد أو المراقب إلى حد ما.
لا توجد مرحلة في تاريخ الأردن المعاصر تبرز فيها الحاجة لإصلاح الإعلام وصيانة حرياته، مثل هذه المرحلة. صحيح أن إصلاح الحريات مطلب في كل وقت، لكن من منظور المصلحة الوطنية، وفي ضوء حساسيات الإصلاح السياسي في الأردن، تبدو هذه اللحظة ملائمة لاتخاذ خطوات جادة في ملف الإعلام قبل غيره. ويمكن رصد مجموعة من الاعتبارات غير التقليدية لهذه الضرورة، منها: أولا، أزمة الثقة بين الدولة والمجتمع، والتي تعمقت خلال آخر خمس سنوات، وجعلت السلطات والمؤسسات والمجتمعات المحلية والجماعات يتحدث كل منها وحده. وهي الأزمة التي هشمت الجسور بين الدولة بسلطاتها الثلاث وبين المجتمع. وتوجد في إصلاح الإعلام وإعادة الاعتبار للحرية الصحفية، فرصة حقيقية لجسر هذه الفجوة. ثانيا، إعادة الاعتبار لمسار الإصلاح السياسي الذي يراوح في مكانه منذ سنوات طويلة. إذ توفر فرص إصلاح الإعلام إمكانية للتقدم خطوة في ملف الإصلاح من دون كلف كبيرة، كما قد يبدو في ملفات خلافية أخرى. ثالثا، ترميم مكانة الأردن دوليا، وهي المكانة الآخذة في التراجع نتيجة تراجع القدرات التنافسية، وتوقف مسار الإصلاح السياسي. والأردن يشتبك دوليا مع التفاصيل وليس العناوين، نتيجة حجم الانفتاح والاعتماد على العالم.
علينا أن نراجع الأثمان التي تدفعها الدولة والمجتمع جراء تراجع حرية الإعلام. وعلينا أن نعي تماما أن الحرية الإعلامية في بيئة معافاة، تُعلّم المسؤولية والالتزام، وليس الابتزاز.
 
بقلم: باسم الطويسي

المراجع

alghad.com

التصانيف

صحافة   د.باسم الطويسي   العلوم الاجتماعية   جريدة الغد   صحافة وإعلام   حريات