نستقبل بكل تقدير الحملة الوطنية التي بدأتها مجموعة من الناشطين والمثقفين لاستعادة مسلّة ميشع الشهيرة، والتي تعود إلى الملك المؤابي ميشع، وتسجل صفحة مهمة من تاريخ المشرق العربي والأردن القديم. وهي موجودة منذ نهاية القرن التاسع عشر في متحف اللوفر الفرنسي. 
وعلى رغم اليقين بأن هذا الحلم صعب المنال، لكنه ليس بالمستحيل، فعلينا أن ننتقل من مرحلة نشر الوعي محليا بأهمية المسلة وبدور الملك المؤابي وحروبه، إلى الجهة الأخرى؛ أي الجانب الفرنسي ومتحف اللوفر، والأبعاد القانونية والسياسية والثقافية لهذا الموضوع، وهل نحن على استعداد، ونملك الكفاءة لخوض معركة بهذا الحجم.
هناك أمثلة محدودة على نجاح محاولات استعادة الآثار الشرقية الموجودة في المتاحف الغربية. وعادة ما تنتهي المعارك من هذا النوع باستعادة الآثار المكررة، أي التي توجد في المتحف نفسه أكثر من قطعة منها، أو تلك التي يثبت بالأدلة أنها خرجت من موطنها الأصلي بالسرقة أو بشكل غير شرعي. وعلينا تذكر أن معظم محتويات المتاحف الغربية هي آثار شرقية، ولو فتحت أبوابها لأمنيات الشعوب، لأُفرغت منذ زمن طويل. هذه المعطيات نذكرها كي نخرج من دائرة الأمنيات والدعاية المحلية، نحو معركة قانونية وسياسية شرسة وصعبة، تحتاج إثبات أن المسلة بيعت وأخرجت بطريقة غير شرعية.
الأساس القانوني الدولي الوحيد لاستعادة الآثار يتمثل في اتفاقية العام 1972، والجهود التي رعتها منظمة "اليونسكو" والمجلس الدولي للمتاحف (أيكوم). إذ تنص الاتفاقية على أنه "من حق الدولة التي تثبِت بالوثائق أن أثرا ما سُرق منها وأن هذا الأثر كان مسجلا لديها.. أن تسترد هذا الأثر وفقا لأحكام هذه الاتفاقية" التي وقعتها بعض الدول، وأصبحت سارية المفعول العام 1972. وهو ما يعني أن ما سُرق قبل توقيع الاتفاقية لا يمكن استرداده. لكن لم يكن هذا الأمر نهائيا؛ فثمة دول استعادت آثارا يعود تاريخ خروجها منها إلى القرون التاسع عشر والثامن عشر والسابع عشر، من خلال الاتصالات الدبلوماسية والسياسية، ومن خلال اتفاقيات التعاون الثقافي الثنائية.
الآثار الأردنية في الخارج، والتي هُرّبت أو سُرقت أو أُهديت منذ عهد العثمانيين إلى اليوم، لم تخرج بطريقة شرعية، وتجب المطالبة باستعادتها. والشرعية الوطنية والثقافية أقوى من أي مبرر يساق في هذا الشأن. أما الآثار التي أُخرجت في الفترات السابقة، فلا يوجد لدينا حتى توثيق واضح وإحصاء بأعدادها وأماكن وجودها، سوى الأمثلة الشهيرة، وأهمها واجهة قصر المشتى؛ إحدى أهم روائع فن العمارة الإسلامية (عرضها 33 متراً، بارتفاع 5 أمتار)، والتي نُقلت من موطنها الأصلي في الصحراء الأردنية إلى برلين، بعد أن أهديت من آخر السلاطين العثمانيين إلى القيصر فيلهام الثاني، وشكلت نواة متحف برلين للفنون الإسلامية. تصوروا واجهة معمارية بهذه الضخامة والروعة، تُنقل حجراً حجراً من موطنها عبر الموانئ والسفن، ويعاد تركيبها من جديد بعيدا خلف مساحات شاسعة! وفي متحف اللوفر، توجد مسلة شيحان التي تعود إلى العصر البرونزي المتأخر في الأردن. وتنتشر في المتحف البريطاني والمتاحف الأسترالية عشرات القطع واللقى الأثرية من الأردن، من بينها أقدم منحوتة حجرية مكتشفة في الشرق الأدنى القديم، وتعود إلى الفترة النطوقية. وقد هُربت من الأردن وتوجد اليوم في المتحف الوطني الأسترالي. كما تنتشر العديد من التماثيل الأردنية القديمة، وعشرات اللوحات الفسيفسائية من جرش وأم قيس ومادبا، في المتاحف البريطانية والألمانية والأميركية والأسترالية. أما الآثار النبطية المهربة والمسروقة، فحدث بلا حرج؛ بدءاً من حفريات نيلسون جلوك في ثلاثينيات القرن الماضي التي هربت عشرات التماثيل والقطع الأثرية والنقوش، وصولا إلى التجار الجدد. إذ تنتشر آثار حضارة الأنباط اليوم في متاحف الجامعات الأميركية في ييل وبنسلفانيا وسينسيناتي، وفي مستودعات التجار وصالات العرض، وأخيرا في المزاد على شبكة الإنترنت.
المهمة صعبة ولكنها غير مستحيلة، وتحتاج إلى بناء تحالف وطني لاستعادة كل الآثار الأردنية في الخارج. وأكثر ما يحتاج إليه جهد من هذا النوع، إرادة سياسية وضوء أخضر على الأقل.
 

المراجع

alghad.com

التصانيف

صحافة  د.باسم الطويسي.   جريدة الغد   الآثار   المتاحف