أميركيا؛ نشرت الصحف الأردنية الأسبوع الماضي خبرا صغيرا بكلماته كبيرا في توالد معانيه مفاده أن"خمسة عشر مليونيرا أميركيا "أي في قيادة الرأسمالية الكونية" يتقدمون من حكومتهم خطيا بطلب لزيادة الضرائب عليهم، التي يشعرون أنها لا تتناسب مع مستوى مداخيلهم وأرباحهم التي يجنونها، وكجزء من دعمهم لتحسين نوعية الخدمات للفقراء في ظل الأزمة الاقتصادية التي تجتاح بلدهم".
* أما أردنيا فمُنذ مدة طويلة والناس في مجتمعنا يعتمدون الجانب المادي؛ الأموال والممتلكات؛ والألقاب، والسلطة معايير دارجة للتميز بين ثراء البعض وفقر الآخرين وهم الأغلبية عموما وبالتالي مكانة كل منهما. لكن يبدو أن واقعنا هذه الأيام قد تعدل، فنتيجة للتحولات الاقتصادية والاجتماعية المتسارعة التي يُمر بها مجتمعنا، ظهرت محددات جديدة وغير متوقعة لمعايير ثنائية الفقر والغنى، واقصد تحديدا دخول مورد الماء الذي خُلق منه كل شيء حي، والذي كان تاريخيا أهم مكونات الشراكة بين الناس بعد الهواء والنار. فقد أصبح الماء هذه الأيام في بلدنا الطيب من معايير التميز بين الفقراء والأغنياء.
صحيح أن المواطن الأردني قد عاش وقنع لفترة طويلة على أن واقعه وترتيبه العالمي في قائمة أفقر عشر دول بحصته في الاستفادة من مورد الماء كأساس للحياة، لكن الواقع المائي المتدني والخطير أصلا قد جعل مجتمعنا حاليا أمام اختبار قدراته التكيفية مع هذا التحدي المفصلي في حياتنا كأردنيين من جهة، ومن الجهة الأخرى في اختبار حقيقي مع أثرياء الماء والثروة معا في بلدنا وفي المورد النادر والضرورة لحياتنا، والمفترض أن لا مجال للتهاون فيه أو مع مهدريه، خصوصا أننا على أمل دائم بالله أن تثمر صلوات استسقائنا عن انفراج بعون الله.
أثرياء الماء والثروة المقصودون هنا هم من يمتلكون الجرأة والمال- في الوقت الذي قد نعلن واقعنا منكوبا بشُح الماء- لاستمرار تعبئة برك سباحتهم الترويحية سواء أكانت مرخصة أم غير ذلك. وهؤلاء الذين اكتشفتهم الحكومة مشكورة قبل أشهر في العاصمة عمان عبر مسوحات فضائية بواسطة "جوجل ارث" إذ قدرت عددهم بما يزيد على ستة عشر ألف حوض سباحة مُكيف، أو أولئك الذين يملكون للان آبارا ارتوازية متدفقة على الزروع وبكميات هائلة، مقابل شح واضح للماء المفترض أن يروينا نحن البشر أولا وبغض النظر عن الكيفية التي حصلوا فيها على جواز استثمار مياه أعمارنا قانونية كانت أم لا.
أخيرا، هل نحن بحاجة للعودة بإنسانيتنا وبطبيعتنا نحو الفطرة الأولى لكل شيء سواء كشركاء إنسانيين في الماء والكلأ والنار أو النفط كبديل معاصر، أم سنبقى نناقش بلا جدوى معنى أن تكون عضوا/ رقما أصم في مجتمع تسيدت فيه القيم الفردية كجزء من السوق العولمي القائلة وبغير إنسانية كعادتها.. " إلي معندوش ما يلزموش". والعياذ بالله من تورم جشع الربح وأنانية النفس ذات الفجور، بعد أن ندرت قيم التقوى للاسف.
المراجع
alghad.com
التصانيف
صحافة د.حسين محادين. جريدة الغد