كِسَاؤُكَ ما يكْسُوكَ أَهْلُكَ فِي مِصْرِ |
وَسِتْرُكَ هَذَا إِنْ حَرَصْتَ عَلى السِّتْرِ
|
أَتحْرُثُ أَرْضاً فِي ابْتِغَاءِ نَبَاتِهَا |
تُكَابِدُ ما يُشْقِي مِن البرْد وَالحَرِّ
|
تصَبَّرُ فِي رِيٍّ وَصَرْفٍ وَخِدْمَةٍ |
دَرَاكٍ عَلى عَيْشٍ أَمَرَّ مِنَ الصَّبْرِ
|
فَإِنْ حَلَّ مَا أَعْطَاكَ رَبُّكَ مِن جَنىً |
جَزَاءً لِمَا أَنْفَقْتَ فِيه مِن العُمْرِ
|
رَمَيْت بِحُرِّ المَالِ مَرْمَى زِرَايَةٍ |
كَأَنَّكَ تُلْقِيه جُزْافاً إِلى البَحْرِ
|
فَتَعْدِلُ بِالأَصْدَافِ مَا رُحْتَ مُزْجِياً |
وَتَبْذُلُ فِيه عَائِداً ثَمَنَ الدُّرِّ
|
أَجَلْ كَانَ حَقُّ العِلْمِ مَا هُوَ غَانِمٌ |
مِنَ الجَهْلِ وَالتَّفْرِيطِ لَمْ يَخْلُ مِنْ عُذْرِ
|
وَلَكِنَّ عَصْراً فِي الأَبَاطِيلِ جُزْتَهُ |
تَقَضَّى بِمَا فِيه وَصِرْت إِلى عَصْرِ
|
فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ رَعْيَكَ النِّعْمَةَ الَّتِي |
أَصَبْتَ وَلَمْ تَجْهَدَ بِشَيءٍ مِنَ الشُّكْرِ
|
بِثَوْبِكَ مِنْ نَسْجِ الحِمَى تَخْدمُ الحِمَى |
ونَفْسَكَ مَوْفُورَ الكَرَامَةِ وَالأَجْرِ
|
أَطَلْعَتَ حَرْبِ العَالِمَ العَامِلَ الَّذي |
لَهُ مَا لَهُ مِنْ كُلِّ مَفْخَرَةٍ بِكْرِ
|
أَرَى المَدْحَ أَوْفَى المَدْحِ لَيْسَ |
بِمُجْزِيءٍ أَقَلَّ جَزَاءٍ مِنْ مَآثِرِكَ الكُثْرِ
|
جَمَعْتَ شَتَاتَ الشَّرْقِ بِالرَّأْيِ وَالِياً |
عَنِ السَّيْفِ مَا لَمْ يَسْتَطِعْهُ مِنَ الأَمْرِ
|
وَأَدْرَكْتَ فِي العَلْيَاءِ أَبعَدَ غَايَةٍ |
لِيَقْظَانَ دَاجِي الهَمِّ مُتَّقد الفِكْرِ
|
سَبِيلُكَ نَفْعُ النَّاسِ تُوِليهِ شَامِلاً |
وتُخْلِصُهُ بدْءاً وَعَوْداً مِنَ الضُّرِّ
|
وَحَوْلكَ أَعْلامٌ يَكَادُ نِظَامُهُمْ |
يَدُورُ مدَارَ الشَّمْسِ وَالأَنْجُمِ الزُّهْرِ
|
إِذَا ما ذَكَرْنَا كُلَّ أَرْوعِ نَابِهٍ |
مِنَ النُّخْبَةِ المُثْلى وَمُقْتَحِمٍ جَسْرِ
|
فَمَنْ لِلمَعَالِي فِي الرِّجَالِ كَمِدْحَتٍ |
وَمَنْزِلُهُ مِنْ نَدْوَة المَجْد فِي الصَّدْرِ
|
وَمَنْ كَفُؤَادٍ لِلحَصَافَة وَالحِجَى |
وَمَنْ كَفُؤادٍ لِلوَفَاءِ وَلِلبِرِّ
|
أَلا أَيهَا المِصْرُ الصِّنَاعِي رُعْتَنا |
وَلَسْنا نُغَالِي إِنْ دَعَوْنَاكَ بِالمِصْرِ
|
فكَمْ بِكَ مِنْ صَرْحٍ بِآخَرَ مُمْسِكٍ |
وَكَمْ بِكَ مِنْ قَصْرٍ مُضَافٍ إِلى قَصْرِ
|
رَأَيْنا بِكَ الأَوْهَامَ وَهْيَ حَقَائِقٌ |
كَأَنَّا نَرَى سِحْراً وَمَا هُوَ بِالسِّحرِ
|
إِذَا مَا التَقَى أَهْلُوكَ فَالسَّاحُ أَبْحُرٌ |
أَوِ افْتَرَقُوا فَالسُّبْلُ نَهْرٌ إِلى نَهْرِ
|
أُلُوفُ رِجَالٍ كَادِحِينَ وَصِبْيَةٍ |
مِنَ الفِتْيَةِ اللُّدُنِ المُثَقَّفَة السُّمْرِ
|
طَوَائِفُ تَجْنِي مِنْ حَديدكَ شُهْدَهَا |
كَمَا تَجْتَنِيه النَّحْلُ مِنْ نَاضِرِ الزَّهْرِ
|
قُصَارَاهُمُ كَفِيلٌ بِرِزْقِهِمْ |
وَمَا نَفْعُ عِلمٍ ضِرْعُهُ غَيْرُ ذِي دَرِّ
|
وَيَدْرِي فَتَاهُمْ أَيْنَ مَطْلَبُ قُوتِه |
إِذَا جَامِعِيٌّ زَاغَ عَنْهُ وَلَمْ يَدْرِ
|
طعَامُهُمُ لَوْنٌ وَلَكِنْ مُيَسَّرٌ |
وَمَشْرَبُهُمْ عَذْبٌ بِلا رَنَقٍ يَجْرِي
|
لَكَ اللّهُ كَمْ كَسْراً جَبَرْتَ وَخِلَّةً |
سَتَرْتَ وَكَمْ خَيْراً أَدَلْتَ مِنَ الشَّرِّ
|
لَيَومِكَ يَوْمٌ فِيه لِلْفَتْحِ غُرَّةٌ |
جَلَتْ وَجْه الاِسْتِقْلالِ مُبْتَسِمَ الثَّغْرِ
|
يُطَالِعُها رَاجِي الفَلاحِ لِقَوْمِهِ |
فَيُدْرِكُ سِرَّ الفَوْزِ فِي مَكْمَنِ السرِّ
|
إِذَا المَصْنَعُ الأَهْلِيُّ عَزَّ فإِنهُ |
بِنَاءٌ عَزِيزُ الشَّأْنِ لِلوَطَنِ الحُرِّ
|
وَلَمْ أَرَ نَصْراً أَجَلَّ مَغَبَّةً |
وَأَيْسَرَ فِي التَّكْلِيفِ مِنْ ذلِكَ النَّصْرِ
|
لِمِصْرَ إِذَا اسْتَكْفَتْ كَفَاءٌ بِنفَسِهَا |
ففِيمَ الرِّضَى مِنْ وَافِرِ الخَيْرِ بِالنَّزرِ
|
إِذَا ما تَقَاضى الغَرْبُ جِزْيَةَ بَيْعهِ |
أَلَيْس يُؤَدِّي الشِّرْقُ جِزْيةَ ما يَشْرِي
|
مَزارِعُكُمْ ضَاقَتْ بِطَلاَّبِ رِزْقِهَا |
وَصَارَتْ قُرَاكُمْ بَعْدَ يُسْرٍ إِلى عُسْرِ
|
حَذارِ مِنَ الفقْرِ المُنِيخِ بِكَلكَلٍ |
فَمَا مِنْ مُذلٍّ لِلأَعِزَّاءِ كَالفَقْرِ
|
تَوَاصَوْا بِمَصْنُوعَاتِكُمْ تكْمِلُوا بِهَا |
جَنَى الرِّيفِ مِنْ نَقْصٍ مُؤَدٍ إِلى الخُسْرِ
|
بِكُمْ قُوَّةٌ مَذْخُورةٌ إِنْ رَشُدْتُمُ |
بِتَصْرِيفِهَا حَوَّلْتُمُ غِيَرَ الدهْرِ
|
نَظَمْتُ لكُم نُصْحِي وَفِي صِدْقِ نُصْحِكُمْ |
لأَنْفُسِكُمْ مُغْنٍ عَنْ النَّظْمِ وَالنَّثْرِ
|
وَإِنِّي مُعِيذٌ عَزْمَكُمْ مِنْ تَرَدُّدٍ |
إِذَا هُو لَمْ تَحْفِزْهُ طَنْطَنَةُ الشِّعْرِ
|
هَلُمُّوا اشْهَدُوا صُبْتَ النَّجَاحِ وَقَدْ بدَا |
مُبِيناً يُحيِّي بِالتَّيَمُّنِ وَالبِشْرِ
|
وَقُولُوا بِجَهْرٍ لِلمُسِرِّينَ رَيْبَهُمْ |
أَفِي الشَّمْسِ رَيْبٌ بَعْد رائِعَة الفَجْرِ
|
إِذَا ما تَنَاسَى بَعْضُكُمْ فَضْلَ بَعْضِكُمْ |
فَأَيُّ مصِيرٍ لِلحِمَى يَا أُولِي الذِّكْر
|
أَتَى بَنْكُ مِصْرٍ كُلَّ مَا تَشْهَدُونَهُ |
فَهَل مِنْ أَمِينٍ لا يُزَكِّيه فِي مِصْرِ |