قد تغيب عن بعضنا حقيقة أن اللامركزية الإدارية، مثلا، ليست أردنية المنشأ، رغم تصاعد الحديث عن ضرورة تطبيقها أردنيا، خصوصا، وأن الإرادة السياسية العليا متوافرة منذ أن أعلن جلالة الملك مرارا أهمية تفويض السادة المحافظين كقادة تنمويين مفترضين، صلاحيات التخطيط والمتابعة التشاركية مع أبناء مجتمعاتهم المحلية كجزء من السعي لزيادة المشاركة المحلية في اتخاذ وتحديد الأولويات التي تهم أبناء كل محافظة أو إقليم ضمن المملكة كإطار تشريعي وسياسي اقتصادي أشمل.
لهذا شرعت الحكومة ممثلة بوزارة الداخلية بدراسة هذا المحور الجديد على مسيرة وتصريفات الإدارات الأردنية في تعاملها مع الشأن التنموي منذ تأسيس الإمارة. ولعل اللافت هنا أيضا هو إعلان وزارة الداخلية قبل شهرين تقريبا وفي خبر مقتضب لها، عن انتهاء اللجنة المخصصة لهذه الغاية من أعمالها، ولا نعلم للآن كمتابعين، ما هي الخطوات الإجرائية اللاحقة لانتهاء أعمالها.
نقول اللامركزية الإدارية تحديدا لارتباطها بضرورة وجود قانون جديد يمثل مظلة لهذه التحولات المنشودة على المستوى الرسمي ابتداء. وليس معلوما كم سنحتاج كي يرى هذا القانون النور ليس لأهميته التشريعية فقط، بل لانعكاسه المتوقع على آليات توزيع ميزانية الدولة لا سيما ما يرتبط بحجم وأوجه الإنفاق في المحافظات، ذلك أننا ما زلنا نعاني من وجود هوة تنموية وإنمائية واضحة بين محافظة العاصمة والمحافظات الكبرى بسكانها وإمكاناتها الاقتصادية والمعاشية، فمحافظات جنوب الوطن مثلا التي خُصخصت فيها الشركات الكبرى التي تُصر للأسف على التغيب عن مسؤولياتها الاجتماعية في مجتمعات محلية تعاني بدورها من عدم وجود قطاع خاص فاعل اقتصادا وتنمية ما صعب التحديات التي تواجه سكانها سواء أكانوا مهاجرين منها أو مقيمين فيها على مضض ربما.
أما على صعيد الإعلام المجتمعي الجديد والواعد في الأردن للآن، سواء الإذاعات المجتمعية مثل إذاعات كل من:- صوت الكرك من جامعة مؤتة، أو إذاعة اربد من جامعة اليرموك أو إذاعة معان من جامعة الحسين..الخ، إضافة لإذاعات أخرى تبث من المناطق النامية في عمان العاصمة.
ولا ننسى تلك المواقع الإلكترونية التي أخذت أسماءها من أسماء المناطق الجغرافية الأردنية التي ستركز على تغطيتها كمناطق مستهدفة ببرامج الحوارات والرقابة على الأداء العام والغني في المناطق المستهدفة بالرسائل الإعلامية /الإعلانية التي تقدم خدمات متنوعة عبر إعلام موقعي مطلبي وتنموي وسياسي في المحصلة، مثل موقع ألهيه الإلكتروني- نسبة لثورة الكرك ضد الأتراك 1910، وتسمى بالتعبير المحلي "ألهيه"، والزرقاء نيوز، البلقاء نيوز،..الخ، هذا النوع التخصصي من الإعلام لهو الناقل فعلا لخطاب الحياة اليومي بقضه وقضيضه لأبناء وقاطني تلك المجتمعات المحلية؛ كما أنه المراقب كجزء من السلطة الرابعة الآخذة بالاتساع بسببه.
يمكن القول أنه كان الأسرع في استجابته ونقله لمواجع وطموحات أبناء المحافظات خارج العاصمة للمسؤولين فيها ابتداء بصورة وجاهية ميدانية وسريعة، ما يجعل المواطن صاحب المطالب يلمس بجلاء واهتمام مضاف أهمية مشاركته في إنهاض الحس العام بالمسؤولية لديه كل في منطقته، وبسرعة استجابة المسؤولين لمطالبه اليومية بصورة مباشرة وأكثر فعالية وجودة، الأمر الذي جعل السادة المحافظين كأعلى سلطة لاتخاذ القرار في المحافظات على تواصل لحظي مع سكان المنطقة فهم المسؤولون إداريا وتنمويا عنها انطلاقا من خصوصية كل محافظة وتكاملها مع المشهد الوطني الأرحب بالضرورة.
أخيرا يُسجل للإعلام المجتمعي بمختلف عناوينه الإذاعية والإلكترونية وحتى الإعلانية انه الأسرع في الاستجابة إلى تجسيد لامركزية الإعلام في محافظات أردننا الحبيب، على أمل لحاق لا مركزية الإدارة فيه تشريعا وتطبيقا ميدانيا.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  د.غسان الطالب.   جريدة الغد