ثمة تشابه كبير ما بين الشخص العربي الفرد ومجتمعه الحاضن له كشخص معنوي أيضا، كما يقول أهل القانون، ويتجلى هذا الشبه بأن كلا منهما مسكون بالماضي غالبا.
فالغد المنشود غائب عن أطروحاتنا وممارساتنا الذبلى للآن، والتي تحُول دون كسبِنا له منذ اللحظة كما يظهر للمتابع. فرغم ضخامة ثرواتنا المعطلة عربيا لا سيما الطاقات البشرية منها، فإن الغد بالنسبة لنا ما زال يحمل معنى الضبابية، والإحساس الفاجع بحقيقة يُتمنا عربا ومسلمين في هذا الكون العولمي، الذي نجح في تحويلنا إلى مجرد أرقام استهلاكية صماء وتابعة له عبر فعالية علمه وسياساته المخططة، وثورة اتصالاته، لا سيما البصرية منها، إضافة لتقليدنا الأعمى للغرب ولأنماط سلوكاته اللغوية والثقافية الآسرة كونه الغالب الحضاري لنا.
إن هذا الطرح التحليلي الدافق بالمرارة ربما، يجب ألا يطفئ السؤال الحضاري المدبب التالي، لماذا يحدث هذا معنا كأبناء لأمة الضاد؛ ومن المسؤول عن وصولنا إلى هذا الواقع الانقطاعي والعدائي مع العمل الجاد والرامي لارتيادنا المستقبل؟؟؟. وأُمعن في توليد الأسئلة قائلا، لماذا أدمنت بوصلات أعمارنا أفرادا وحكومات وجامعات سؤال الأمس فقط؟ ومن المسؤول عن استمرار إبحارنا التائه في جنبات الأمس الباعثة على الخدر عادة، ومن دون أن نوجه بعضا من ثرواتنا ومجهوداتنا وأبحاثنا على قلتها للآن نحو الإيمان بالعلم وقيمه الملحة لنا راهنا، وبحقنا الكامل
أن نطلق السؤال الناقد- رغم مرارته كجزء من العلاج لراهننا- على جُل ما وردنا من الماضي على سبيل المثال؛ داحس والغبراء، وإذا ولد لنا صبي..، وهل أنا من غُزية إن غزت.. صراعات وانقسامات دينية وقبليّة من ذاك الماضي المغلف الذي كلسناه- من كلس، تحت عنوان الأمس متغنين به ألفاظا فقط، فقد كنا وكنا و؟؟ بعد أن غيبنا طوعا أو إهمالا- لا فرق في النتيجة- عن وعينا، قيم التسامح والحوار ومجادلتنا لأنفسنا أولا كضرورة تنويرية بالتي هي أحسن، والقدوة الحسنة، وحوارات إخوان الصفا والمعتزلة والترجمات الرافدة لوعينا الجماعي وهويتنا الحضارية على الدوام.
أقول الذي سبق؛ والغباش ما زال يحاصر شجرة حواسنا كأبناء جيل عربي غافل وراهن، إذ قيُّض لنا أن نعايش "ابتكارات" عربية في التغلب على أعراض الديمقراطية المزعجة التي تهدد مستقبلنا كما يعتقد معظم صناع القرار الأساسيين في وطننا العربي، حيث عشنا مع إخوة لنا في بلد عربي مسلم معاني أن تخطئ حكومتهم في معرفة تعداد وإمكانات ونسب أمية الناخبين لديها، فتقرر ببساطة أن تمدد "الانتخابات" لحين ميسرة؛ كي تأخذ بصمة الأصبع مداها عِوضا عن الكتابة والقراءة التي أُهمل نشرهما رغم ورودها في مطلع التنزيل " إقرأ..". ولم يغِب عنا متابعة ردود أفعال أهلنا في بلد عربي آخر ما زال منقسِما على أحقية إعادة فتح/فرز صناديق الناخبين بعد أن أُعلنت النتائج منذ مدة ليست قصيرة وبدأت الاحتفالات للفائزين؟؟ وفي السياق نفسه لست أجزم هنا إن كان واقع الديمقراطية في الأحزاب بأجنحتها الحمائم والصقور وما بينهما من أصحاب الترقب، أفضل من واقعها لدى الحكومات، إذ تشير القراءات الأولية أن لدينا أمناء عامين للأحزاب مكتوبون على "قواعدهم" كالقدر تماما، إذ يصلحون لمراحل الأحكام العرفية المتعاقبة، مثلما هم متوافقون مع التحولات الديمقراطية والانتخابية الواعدة في طبعاتها الأردنية والعربية معا.
أخيرا، إن الإيمان بالغد، ليس بعدا تخطيطيا وتنبؤيا نسعى من خلالهما فقط إلى:- تجنب الصدمات المتوقع قدومها معه، وتقليص غابات السراب للوعود التي اعتاد أن يطلقها سياسيونا العرب- الشفافية، الرشادة، الحكمانية، حقوق الإنسان، الانتخابات النزيهة..الخ- لاعتقادهم أنهم وحدهم من يمتلك المعرفة والحقيقة دون غيرهم فحسب؛ بل لأن المستقبل يجب أن يبقى حاضرا في حياتنا منذ اللحظة، كي نتمكن جميعا من أن ننطلق معه وإليه من مناجم العلم والمعرفة الإنسانية الأشمل، والتي يفترض أن نساهم في بنائها وإغنائها عربا ومسلمين من جهة؛ ومن جهة متممة كما يقول أهلنا الصادقون"إللي بتزرعه اليوم بتحصده بكره" فهل نحن زارعون كي ننتظر غِلال الحصاد، وأي غد صنعنا بأيدنا، أفرادا وحكومات كي ننتظر.. فدعونا نتحاور على غدنا في الأقل؟؟

المراجع

الغد

التصانيف

صحافة  د.غسان الطالب.   جريدة الغد