يخطئ من يعتقد أن أي تعديلات دستورية أو قانونية؛ للانتخابات والأحزاب والبلديات واللامركزية الإدارية، يمكنها أن تحظى بإجماع كل الأفراد والتنظيمات السياسية، فلكثير منها مصالحه وارتباطاته الإقليمية والعربية، والعالمية أحيانا، خصوصا وأننا في الأردن تاريخا وجغرافيا وسكان توأم فلسطين، القضية المركز في الصراع مع الصهاينة، ومحط اهتمام العالم بأسره. وما الوصف الدقيق لهذه العلاقة المصيرية الذي أطلقة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عنا ببعيد، عندما قال إنها دم واحد في العرقين. من دون أن ننسى أيضا أن الأردن تاريخيا منفعل في الاحداث المحيطة، أكثر مما هو فاعل فيها، بحكم تركيبته السكانية المتنوعة والغنية، وموقعه المتوسط عربيا. إذ يمكن ملاحظة كيف أوشكت رابطة الكتاب الأردنيين على الانقسام جراء ما يجرى من ثورة في سورية، وكذا ما حصل في اتحاد العمال.. إلخ. ولن تكون تصريحات عضو الكنيست "إلداد" الصهيوني في موضوع الوطن البديل، أو السعي الصهيوني لإلغاء التعامل باللغة العربية في دولة اليهود المزعومة، بعيدة، بالنسبة للمنصف، عن مضامين الإصلاحات الأردنية.
أما موضوعيا، وعلى سبيل المثال، فقد تأثرنا كثيرا عندما حصل الاحتراب الفلسطيني والإقليمي والعالمي عندما تولت حركة حماس السلطة في غزة، وما جرى في العراق قبلا، ومصر وتونس، وما هو مترقب بشأن ما يجرى في سورية وليبيا. ويجب ألا يغيب عن أذهان المحللين الإعلامين وقادة الرأي أن صيرورة البناء السياسي للأردن، ومنذ تأسيس الإمارة، قائمة على التدرجية في الإصلاحات المختلفة، وأن قيادتنا الهاشمية، وبحكم تفهمها وتحويرها أردنيا للمعنى الوظيفي والمؤسسي النسبي للنموذج الغربي، كانت، وما تزال، لا تحبذ التعامل أو الاقتداء بالانقلابات والثورات، أو حتى الحزب الشمولي الواحد للنظام، رغم اجتياح هذه الصورة لعديد من الأقطار العربية في مصر وسورية والعراق وليبيا واليمن، وبعض الفصائل اليسارية في المقاومة الفلسطينية بحكم وجود الاتحاد السوفيتي السابق. في حين اختط الأردن لنفسه التوازن المصلحي لبلدنا، وهذا مبرر في العمل السياسي عادة. ومن هنا يمكن فهم ما يصفه المعتصمون الأردنيون ببطء مسيرة الإصلاحات للآن.
يُعرف الشاهين أحيانا باسم الصقر الجوّال. وشاهين كلمة فارسية تعني "لسان الميزان"، أو بمعنى آخر شعرة الميزان، فهل باستعادة خالد شاهين التي تسجل للحكومة، يمكن أن نشهد حملة اصطياد قانونية لشواهين آخرين ما يزالون طلقاء ومتنقلين على أوجاعنا وأموالنا كدافعي ضرائب، بعد أن اعتدوا على هيبة الدولة الأردنية وأموالها العامة في غفلة من غياب الرقابة والمحاسبة، الأمر الذي هز ثقة المواطن والمعارضين بجل القرارات الإصلاحية للحكومات المتعاقبة، خصوصا وأن الشتاء العربي الراهن خلق ضبابيات في تفسير المتابعين لتراخي الحزم أو التردد في محاسبة ومتابعة الشواهين الآخرين. 
ولعل الأهم بالنسبة للمواطنين وللدولة في استرجاع قيمها في العدالة والمحاسبة، رغم فرحة الإصلاحات النوعية المعلنة، هو ضرورة العمل على استرجاع الأموال المُختلسة لخزينة الدولة، كي تخفف من هول المديونية التي تسبب بها أولئك المسؤولون، بدون أن ننسى حجم المرارة المضاف الذي أصاب معظم المواطنين من النتائج المتواضعة، لا بل المؤلمة للمتعاملين مع أموال البورصة. 
لا نسوق أحلاما، بل مع شروع على قرار.. فهل نحن فاعلون؟

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  د.غسان الطالب.   جريدة الغد