الأربعاء الماضي، أقر مجلس الوزراء مشروع قانون الكسب غير المشروع (من أين لك هذا؟). وهو قانون لطالما كان عنوانا لمطالبات حزبية ونيابية سابقة، ولربما كان لرئيس الوزراء عبدالله النسور نصيب من المطالبة به عندما كان نائبا في البرلمان المنحل.
بيد أن المفارقة أن إقرار مشروع القانون جاء قبيل أيام فقط من إقرار الحكومة خطة تتضمن إلغاء الدعم عن المشتقات النفطية، ما يعني زيادة الأسعار بنسب عالية، الأمر الذي أظهر أن إقرار مشروع القانون المطلبي وكأنه جاء ذرا للرماد في العيون، وخطوة استباقية قبل التوجه نحو إقرار حزمة القرارات المقلقة الأخرى التي تنوي الحكومة القيام بها.
لا يخفى على أحد أن إقرار مشروع القانون من الحكومة الحالية لا يقدم ولا يؤخر شيئا؛ فالمشروع سيبقى في الدرج بدون تفعيل إلى أن يُعقد مجلس النواب المقبل (السابع عشر)، الذي سيُنتخب في الثالث والعشرين من كانون الثاني (يناير) المقبل، أولى جلساته. وبعدها تقوم الحكومة الحالية أو التي ستخلفها بتحويله للمجلس للسير في عملية إقراره. وهذا ما يكشف أن الاستعجال في إقرار مشروع قانون لن يرى النور قبل ما يقرب من 8 أشهر من الآن، إنما جاء كـ"بالون" إعلامي لا أكثر.
لا يعني ذاك أنني ضد إقرار مشروع قانون "من أين لك هذا؟"، كما لا يعني أن الحكومة غير محمودة على ما ذهبت إليه، ولكن الكلام الآنف هو فقط لتوضيح مسارات مشروع القانون، وكم سيبقى في الدرج. والمشكلة الأكبر إن جاءت حكومة جديدة خلفا للحالية التي أقرت المشروع، وأرادت (الحكومة الجديدة) إعادة النظر فيه؛ فهذا يعني مددا زمنية أخرى جديدة، وربما عدم تحويل المشروع إلى مجلس النواب والاكتفاء بالقوانين الموجودة حاليا باعتبارها قادرة على لجم الفساد، كما قال رئيس وزراء سابق.
شخصيا، أؤيد اعتبار أن أي مال منقول أو غير منقول يحصل عليه أي شخص لنفسه أو لغيره بسبب استغلال منصبه أو وظيفته أو المركز الذي يشغله، أو بحكم صفة أي منها، هو كسب غير مشروع. وكذلك الأمر فيما يتعلق بأي زيادة تطرأ على ماله المنقول وغير المنقول أثناء إشغاله للمنصب أو الوظيفة أو المركز أو بسبب صفة أي منها، إذا كانت هذه الزيادة لا تتناسب مع موارده المالية، وعجز عن إثبات مصدر مشروع لتلك الزيادة. وأؤيد أن تسري أحكام مشروع القانون على الفئات التي وردت في المشروع المقر من قبل مجلس الوزراء الأربعاء الماضي، بيد أن خوفي هو أن يبقى المشروع في الدرج، ولا يجري عليه تطور لاحق.
أعرف يقينا أن رئيس الوزراء عبدالله النسور متحمس للمشروع، ولطالما طالب به من تحت قبة المجلس. وفعل الأمر عينه وزراء في حكومته. بيد أن الحماسة لا تكفي أحيانا لإقناع مواطن يستعد للاكتواء بلهيب أسعار مقبل بأننا جادون في مكافحة الفساد، خاصة أن الجدية التي أردنا إظهارها هي فعلا مؤجلة للبرلمان المقبل الذي سيُعمل في مشروع القانون مبضعه، وربما يخرجه عن هدفه الذي جاء من أجله، فالتجارب التي قام بها مجلس النواب في هذا الصدد كثيرة، وآخرها كان قانون الانتخاب الحالي الذي غيّر مجلس النواب المنحل ركنه الأساسي، وأفقده مواد دسمة جاءت فيه، وأعاد له الصوت الواحد الجدلي.
المقدمات التي أحدثتها الحكومة، وما قامت به دلالة على الجدية في الترشيد ومكافحة الفساد، لن تنفع في إقناع المواطن الذي سيفاجأ بحجم الارتفاعات المتوقعة. وبالتالي، سنبقى ندعو الحكومة إلى التأني ودراسة كل التوجهات، قبل الإقدام على أي خطوة من شأنها تعقيد المشاكل التي تعاني منها ساحتنا الداخلية، لا حلها.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد جهاد المنسي