اكدح..اعمل.. وكل عام وأنتم بخير
عصام أبو زر عامل فني "ساتلايت"، يكدح يوميا سعيا وراء قوت يومه، وقوت عياله. يخرج من بيته صباحا، ويعود إليه بعد التاسعة ليلاً، وربما تمتد رحلة عمله إلى الحادية عشرة ليلا. وهو لا يعرف يوم راحة أو يوم عطلة؛ فهو "تحت الطلب"، لا فرق عنده بين جمعة وسبت، ولا بين عطلة ودوام، ولا بين عيد عمال أو عيد شجرة.
يكدح عصام لتوفير مصروف عائلته. وهو "دكتور" في مهنته، يعرف كل صغيرة وكبيرة، ويأتيك بالحلول وإن كانت صعبة. وهدفه إدامة زبائنه على تواصل معه، دون الذهاب إلى غيره.
حال عصام لا تختلف كثيرا عن سواد عمال بلدنا الذين يكدون يوميا لتوفير المستلزمات الضرورية للحياة المعقولة. فهو لا يريد حياة مرفهة، ولا يريد التوفير في البنك، وإنما هدفه تأمين خبز وحليب لعياله الصغار، ومصاريف المدرسة والغذاء، دون أن يضطر للاستدانة من الآخرين. ولذلك يتعب في عمله، ولا يهتم إن واصل عمله حتى ساعة متأخرة من الليل؛ فالمهم أن يعود إلى بيته وفي جيبه بضعة دنانير تكفي لسد رمق عائلة تنتظر عودته، وتفي بحاجات متواضعة لبيت صغير يقوم على رعايته.
أكتب عن عصام لأنه يمثل حالة بين آلاف حالات العمال الذين يسعون فقط إلى تأمين لقمة عيشهم، وأحيانا لا يستطيعون؛ عن عمال لا يعرفون من عيد العمال -الذي يحتفل به العالم اليوم، ونحتفل به نحن، بخلاف العالم أجمع، غدا- إلا اسمه، وأحيانا لا يعرف عمال كثر أن لهم يوما يحتفل به الناس، ولهم مناسبة تستحق الإشادة.
ربما ساهم التطور الذي حدث خلال السنوات المنصرمة، والتغيرات السياسية التي حصلت، في خفوت قيمة "عيد العمال"؛ فبات هذا العيد مناسبة للعطلة والراحة، دون أن تكون له قيمة حقيقية تعود على العمال أنفسهم بإيجابيات تذكر.
سابقا، كان يُحتفل بعيد العمال من خلال مهرجانات مختلفة، تعظّم قيمة العمل وتعزز مكانة العمال. وكانت للعيد قيمة عند دول كانت تحتفل به باعتبار أن العمال أساس التغيير المرتقب، وأن الطبقة العاملة لها أثر في التغيير المقبل، ولهذا سعت دول كثيرة إلى تثقيف عمالها، وإقامة نقابات عمالية لهم وتأطيرهم وتعريفهم بحقوقهم وواجباتهم، بهدف خلق طبقة عمالية واعية بحقوقها، تعرف ما لها وما عليها، وتعرف متى تستحق الزيادة، ومتى تستحق العمل الإضافي، ومتى يتوجب عليها التحرك للمطالبة بحقوقها، ومتى يتوجب عليها الدفاع عن مكان العمل باعتباره مصدرا للرزق؛ فكان ارتباط العامل بوسيلة عمله وثيقا. وأتذكر أن عمالا من جيل سابق كان يطلق أحدهم على الآلة التي يعمل عليها أسماء محببة إليه، دليلا على ارتباطه بها وحبه لها.
وسابقا، كنا نخرج في رحلات في الأول من أيار (مايو) وننشد بصوت واحد مع الطبقة العاملة: "يا عيد العمال.. يا أول أيار.. يا أول مسمار في نعش الرأسمال". وكان العامل والمشارك في الاحتفال يعرف تماما أن الرأسمالية نقيض الطبقة العاملة، ولا تؤمن بحقوقها، وتحاول قدر الإمكان تهميش دورها.
اليوم، وبعد أن تغلغلت الرأسمالية في جلودنا، اختلفت الحال، وبهت العيد، وبات العامل يكدح لتوفير لقمة عيشه فقط، ولا يعرف الكثير عن حقوقه، أو أن لجسده عليه حقا، وأن ساعات العمل الثماني وضعت لتوفير فسحة للعامل للعيش مع عائلته والاستمتاع بالحياة أكثر.
أفرحني رئيس لجنة العمل والتنمية الاجتماعية النيابية النائب عدنان السواعير العجارمة، عندما قال لي إن اللجنة ستكرم عمالا في عيدهم. وأعجبني حرص اللجنة الواضح على السير بقانون الضمان الاجتماعي والانتهاء منه، بما لا ينتقص قيد أنملة من حقوق الطبقة العاملة التي تعتبر المالك الحقيقي لصندوق أموال الضمان.
عصام أبو زر كل عام وأنت وكل عمال الأردن والعالم بألف خير، بمناسبة يوم العمال العالمي الذي يصادف اليوم. والأمل أن تعود الرأسمالية خطوات إلى الوراء ليكون للطبقة العاملة الواعية المثقفة الحريصة على العمل والإنتاج، دور في مقبل الأيام.
وكالة عمون الاخبارية.
المراجع
ammonnews.net
التصانيف
صحافة جهاد المنسي وكالة عمون الاخبارية العلوم الاجتماعية