مع بداية ما يعرف بـ"الربيع العربي"، أي قبل نحو 3 سنوات ونيف، بدأنا باتخاذ خطوات إصلاحية متلاحقة، بدأت بنقابة للمعلمين، ومحكمة دستورية، وهيئة مستقلة للانتخاب، وقانون الكسب غير المشروع، وقانون جديد للأحزاب، وآخر للبلديات. وعندما جاء الدور على قانون الانتخاب، لم ندفن الصوت الواحد، وإنما دفنا الكثير من إصلاحاتنا التي تحققت.
قانون الانتخاب هو عصب الإصلاح وأساسه الرئيس، وركن التطور وعنوان حقيقي لتركيبة أي مجلس نيابي مستقبلي، لكن القانون لم يحقق كثيرا من رؤى الإصلاح التي كنا نتحدث عنها، وأعاد ولادة الصوت الواحد من جديد، ولم يعالج الاختلالات التي طالما أشار إليها مشرعون ومسؤولون وأحزاب وقادة رأي عام، وإنما عمق تلك الاختلالات فأعاد تقسيم المُقسم، وأفرز كوتا جديدة تحت مسمى القائمة الوطنية، لم تستفد منها الأحزاب، وإنما تشظت وانتهت تلك القوائم عند أول احتكاك حقيقي في مجلس النواب. مع الإشارة الى أن ذلك لا يمنعنا من الثناء على أداء عدد من أعضاء تلك القوائم ممن قدموا أداء جيدا ومبشرا، تشريعيا ورقابيا بامتياز.
ولأننا لم نستطع أن نؤسس لمرحلة جدية وحقيقية في الإصلاح المنشود، وأبقينا على طريقة الانتخاب، كما هي دون تغيير، عبر الإبقاء على الصوت الواحد، فلا غرابة إطلاقا أن يتراجع موقع الأردن في معيار الشفافية الدولية من المركز 58 إلى المركز 66 من أصل 178 دولة في العالم.
ولأن عصب الإصلاح قانون الانتخاب، باعتباره تاج القوانين، فإننا لو غيرنا كل منظومة النزاهة والشفافية وكل القوانين المتعلقة بالإصلاح، من دون أن يطال قانون الانتخاب تغيير حقيقي، وإجراء جراحي ناجع، فإننا لن نحقق التقدم المطلوب، ولن نتقدم للأمام.
القصة ليست في تغيير قانون الأحزاب الذي لا أعرف حتى الآن الحكمة من الإعلان عن تغييره. ولو كان القانون بحاجة لتعديل، فإن عدد المواد الخلافية فيه لا تتعدى أصابع اليد الواحدة.
مشكلتنا أننا نعرف طريق الإصلاح، ولكننا في نهاية الأمر نحيد عنها. ونتحدث عن إصلاح منشود، ونصلح ونصلح، وفي نهاية المطاف نرسب عندما نصل لقانون الانتخاب، فنظهر وكأننا لم نحقق أي إصلاح.
دائما، عند مناقشة قانون الانتخاب، نستحضر أعذارا وحججا واهية، ونخترع مؤامرات تحاك علينا، وننفخ في قضايا إقليمية وجغرافية وديمغرافية لم تكن موجودة قبل أن ينفخ فيها أولئك المستفيدون من بقاء الحال كما هي عليه. وهؤلاء يرون أن أي حديث عن الإصلاح الحقيقي، أو إرساء لدولة المؤسسات والقانون، يصيب مناطق نفوذهم، ويقلص من قوتهم التي استمدوها من ذاك الشكل المشوه الذي أخرجنا به قانون الانتخاب.
اعتقد أن الصوت الواحد الذي تجرى بموجبه انتخاباتنا منذ العام 1993، أسس للكثير من المشاكل التي يعاني منها المجتمع حاليا، سواء كانت سياسية أم اجتماعية أم ثقافية أم إنسانية. وهي عززت فكرة الرفض للآخر، التي بتنا نمارسها في كثير من مناحي الحياة.
دائما كنا نهرب من مشاكل هنا وهناك عبر تأصيل تلك المشاكل وتعزيزها. فقد عالجنا شكوى ألوية وقرى ومخيمات من عدم التمثيل تحت القبة، من خلال زيادة عدد أعضاء مجلس النواب، فزدنا العدد إلى 110، ومن ثم 120، وثالثا إلى 150 نائبا، وهذا عدد كبير. والأنكى أن أي عودة لأرقام أدنى ستخلق مشاكل عند أولئك الذين يرون أن ما حصلوا عليه حق ملزم، لا يجوز التفريط به. وسيخرج من يقترح علينا إبقاء الحال على حالها، فتكون النتيجة زيادة جديدة في عدد النواب.
مشاكلنا لا تعالج من خلال التخندق والاختباء وراء هويات فرعية. وإنما علينا إن كنا نريد إصلاحا حقيقيا، نبني فيه الأردن الحديث، أردن المؤسسات والقانون، وأن نمس عصب الإصلاح وروح الديمقراطية، علينا إجراء تعديل جوهري في قانون الانتخاب، يؤطر لحالة سياسية حقيقية جامعة، ويساعد الأحزاب في الولوج لعتبة البرلمان.
وقبل أن يخرج عليّ من يقول إن الأحزاب ضعيفة، علينا الاعتراف جميعا أن الأحزاب تستمد قوتها من القوانين والأنظمة، وعلينا أن نقوّي بنية القانون، قبل أن نهاجم الأحزاب، ونلقي كل مشاكلنا عليها.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد جهاد المنسي