جدتي عندما كانت ترفض الطائفية!!
ما زلت أتذكر دعاء جدتي التي توفاها الله بعد ان شارفت على الـ100 عام، وهي تقول لي ولأولاد عمي عندما نريد مغادرة مجلسها "الله ومحمد وعلي يرعاك". كانت جدتي التي لا تجيد القراءة والكتابة تستخدم هذا الدعاء بشكل دائم. وأذكر عندما بدأ الشَعر يغزو وجهي أن عمي رحمه الله، وأبي أطال الله في عمره كانا مشدودين لشاشة التلفزيون، وهما يتابعان تطورات الثورة الإيرانية ومجيء الزعيم الإيراني الشيعي آية الله الخميني ووصوله لطهران.
أذكر أنهما كانا يريان في الرجل ملهما، وأملا بان يكون لفلسطين وللشعوب المقهورة شأن مختلف بمجرد حصول الثورة الإيرانية وقتذاك.
بالنسبة لكل أبناء تلك المرحلة، كان لا فرق لديهم إن كان الرجل شيعيا او سُنيا، وإنما الأهم بالنسبة لهم كان ما يقول، وما يفعل وكيف يتصرف، ولم تكن النخب ولا آلة الإعلام الغربي وبعض العربي قد غرست سمومها في الجسد الواحد، وقسمت المقسم وجزأت المجزّأ.
جموع الناس وقتذاك، كانوا يرون أن عدو أميركا والغرب بالضرورة صديق لهم، وبالتالي كانوا يميلون إلى الجهة التي يوجد فيها عدو أميركا والغرب، لأنهم كانوا يعرفون أن الغرب ساهم في زرع اسرائيل في جسد العرب.
أولئك كانت رؤيتهم واضحة، وطريقهم معروفة، عنوانها أن كل بوصلة لا تشير للقدس مشبوهة، وليست مشبوهة فقط، وإنما عميلة وخائنة.
ولأن الغرب يخطط ويفعل، بخلاف العرب بشكل عام، فقد التقطوا نزعة الشعوب تلك، فزرعوا نخبا لإقناع الشعوب العربية أن عدوهم ليس اسرائيل، وإنما الاتحاد السوفيتي الذي تفكك لاحقا بعد ذلك، وخلفته روسيا الاتحادية، واستغلت تلك الدول أن (الاتحاد السوفيتي) يحتل افغانستان الدولة الاسلامية، فأصبحت البوصلة تشير لأفغانستان وليس لاسرائيل التي تحتل فلسطين! وتكدس جموع المتشددين هناك لقتال الملحدين الروس ومن والاهم، رغم أن فلسطين محتلة، ولا تبعد عنهم سوى كيلومترات معدودة، إلا أن منادي جهادهم لم يصح باتجاه فلسطين يوما.
الا أن كل ذلك، وكل ما فعلته ماكنة الإعلام الغربي، لم ينفع في محو حقيقة سيادية عن شعوب العرب؛ مفادها إن اسرائيل تحتل فلسطين، فظهر من يؤمن بالمقاومة هدفا، ومن يعتقد أن اسرائيل العدو الأول للشعوب العربية، وبقي البعض يتحدث عن فلسطين باعتبارها محتلة.
وبطبيعة الحال كان لا بد من البحث عن عدو جديد للشعوب العربية غير اسرائيل، فتم تغذية البعد الطائفي، وشاركت نخب في تغذية تلك الفكرة، فبتنا نسمع في كل مكان حديثا عن الشيعة والسنة، وباتت تلك النخب تغذي بشكل متعمد تلك النزعة، لدرجة أنهم باتوا يريدون أن لا نتحدث عن فلسطين، وإنما عن إيران والشيعة بشكل عام، وعزز ذلك إعلام سخّر كل ما يملك لبث الفتنة الطائفية، فبات الظلاميون والارهابيون والمتشددون الذين يهدمون المقامات ويسوونها بالأرض، يعتبرون أن قتال الشيعة فرضا واقعا أكثر من قتال الصهاينة.
ولأن التشدد يخلّف تشددا مماثلا، فقد وجد في الجانب الآخر من يرفع راية التطرف أيضا، ومن يغذي أفكارا وُئدت قبل آلاف السنين.
ترى... لماذ يذهب البعض للبحث عن جوانب تفرق ولا تجمع، وبات يحارب ويخوّن ويهاجم كل من ما يزال يذكر فلسطين في خطاباته او جمله؟
ترى لماذا تدفع دول كل ما تملك لتغذية فكر التطرف؟ ولماذا بات كل من يتحدث عن فلسطين المحتلة وينتقد الغرب تُشحذ في وجهه كل رماح النقد والتجريح؟ عذرا فنحن ما نزال نعرف البوصلة، ونعرف كل إصبع يشير إلى القدس، وكل إصبع يريدنا أن ننسى. عذرا فقد انكشفت رغباتكم، ولم تعد تقنعنا مبرراتكم، ولا بكاء التماسيح الذي تجيدونه.
وكالة عمون الاخبارية.
المراجع
ammonnews.net
التصانيف
صحافة جهاد المنسي وكالة عمون الاخبارية العلوم الاجتماعية