المقاطعة الإيجابية وإيجابيات بناء سجل انتخابي نظيف

رنا الصبّاغ  

الدبلوماسي/ السياسي عبدالإله الخطيب، رئيس الهيئة المستقلة للإشراف على الانتخابات، يجد نفسه وطاقمه الإداري في وضع معقد لا يحسدان عليه.
إذ أمامهما مهمة شبه مستحيلة، تتمثل في استكمال بناء سجل انتخابي نظيف ونزيه –خال من الأموات وتكرار الأسماء- وسط أجواء شعبية وسياسية غير مسبوقة، محورها مقاطعة الانتخابات تسجيلا وترشيحا ومشاركة، بسبب قانون الانتخاب المتخلف. ويزيد الاحتقان واللاأبالية، شعور الناس بفقدان الأمل بمخرجات صناديق الاقتراع، وتأثير أصواتهم في وصول الأفضل إلى مجلس النواب، وقدرة السلطة التشريعية على إحداث أي تغيير إيجابي في السياسة العامة، وفي البال حالات التزوير الممنهج، ومباهاة السلطة بانتهاجه، في الاقتراعين الأخيرين (2007 و2010).
تعول الهيئة المستحدثة لأول مرة على إقناع المشكّكين بأنها مسنودة بنظام انتخابي معزّز بتعليمات وضوابط وإجراءات مشددة، تقطع الطريق أمام محاولات التزوير، وتمهد لإجراء انتخابات ذات صدقية.
الخطيب، حال العديد من أبناء الدولة، غير راض عن قانون الانتخاب الجديد. لكنه يعتقد بوجود فرصة ذهبية لتنظيف سجلات الناخبين، والإشراف على عملية انتخابية نزيهة تعيد الثقة الشعبية في مؤسسات الدولة، وتعيد للبرلمان، ولو تدريجيا، دوره الرقابي والتشريعي كسلطة مستقلة، بعد سنوات من تداخل السلطات الثلاث، وقبول غالبية أعضاء مجلس النواب تمرير القوانين ومنح ثقة "طابشة" للحكومات، حسب الأوامر الواردة إليه من السلطة التنفيذية.
حال الخطيب والهيئة المستقلة حال أسرة مكلومة، هدفها إنقاذ ابنها الذي يصارع مرضا عضالا، من خلال تقديم كل عون ممكن. الأسرة تدرك أن درجة المخاطر عالية جدا، وأن إمكانية حصول معجزة أو اختراق طبي تبقى من المستحيلات. لكنها تواصل المحاولة من باب الواجب، لكي تطمئن نفسها بأنها لم تستسلم عند أول كبوة وأنها منحت مريضها كل الفرص الممكنة على أمل معافاته وإعطائه فرصة بدء حياة جديدة يستحقها.
تواجه الهيئة تحديات مصيرية في سبيل تحقيق هدفها الأول المتمثل في اعتماد سجل انتخابي نظيف ونزيه، خال من كل عيوب التزوير والتلاعب التى شهدتها الانتخابات السابقة.
منذ أطلقت الهيئة عملية التسجيل يوم 6 آب (أغسطس) 2012، سجّل قرابة 400 ألف مواطن، أي عُشر الأردنيين الذين يحق لهم الاقتراع (3.7 مليون مواطن). ومن المتوقع تمديد مدة التسجيل بعد انتهاء فترة الشهر على أمل تحقيق تسجيل مليوني مواطن. وهو هدف يبدو بعيد المنال، خصوصا إن أصّرت الحكومة على إجراء الانتخابات أواخر العام 2012.
بالطبع، يتحمل أصحاب القرار المسؤولية الكبرى في دفع البلاد صوب أفق سياسي مسدود، بسبب إصرارهم على تنظيم انتخابات على أساس قانون ساهم في تراجع حياة البلاد السياسية منذ تطبيقه العام 1993. إذ يُعتمد هذا القانون الجدلي بقوالب جديدة، رغم توصيات لجنة الحوار الوطني، وغالبية أبناء النظام ممن أدلوا بدلوهم في لقاءات مع الملك عبدالله الثاني، إضافة إلى مواقف أحزاب المعارضة السياسية وقوى الحراك الأردني.
لا اختلاف في الموقف الرافض لقانون الانتخاب الأخير، أو بشأن الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات المقبلة إذا أجريت وفق هذا القانون، بل أشاطرهم الرأي بأن المشاركة أو عدمها لا تتوقفان على تعديل هنا وهناك، ومنح 27 مقعدا لقائمة وطنية مع الإبقاء على الصوت الواحد، بهدف الإتيان بمجلس خال من الدسم السياسي، ذي غالبية محافظة تعمل على بقاء سياسات الأمر الواقع لحماية المكاسب والنفوذ الضيقة.
لكنني أفرق بين حق التسجيل والحصول على البطاقة الانتخابية وبين استعمال هذا الحق مشاركة أو مقاطعة. كما أشجع التسجيل من باب مساعدة الهيئة على الانتهاء من الاستحقاق الأول في دورة العملية الانتخابية، على أمل بناء قاعدة بيانات محصنة ضد التزوير والتلاعب من الآن فصاعدا. 
فالتسجيل يمكّن المواطنين من حقّهم الدستوري، ويؤهلهم لممارسة هذا الحق بالطريقة التي يرونها مناسبة. استكمال أهلية الناخبين سيعزّز ثقل المقاطعة للانتخابات إذا أجريت على أساس القانون الحالي، ذلك أن زيادة عدد الناخبين المؤهلين ممن يحملون بطاقة انتخابية ستعطي زخما أكبر لوزن المقاطعين للانتخابات، وتحرج الحكومة داخليا وخارجيا أمام المانحين الذين يربطون دعمهم بتحقيق إصلاحات سياسية توسع قاعدة المشاركة الشعبية، وتحقق عدالة تمثيلية أكبر، وتضفي شرعية سياسية على البرلمان المنتخب. 
عملية التسجيل تبقى إجرائية، ولا تحمل أي موقف سياسي مباشر، بعكس ما تعنيه الممارسة الانتخابية والذهاب الى صناديق الاقتراع.
بالطبع، هناك ثلاثة أنماط لتصرفات المواطنين قبل الاقتراع: خيار المشاركة في الانتخابات لضمان وصول المرشح الذي يخدم مصالح القاعدة الانتخابية الضيقة وليس مصلحة الوطن؛ مقاطعة سلبية تضم جبهة المصابين بمرض التقاعس المزمن عن ممارسة حقوق المواطنة وواجباتها لأنها لا ترى دورا لها في حياة البلاد؛ أو المقاطعة الإيجابية، أي المشاركة من خلال وضع أوراق بيضاء بدون أسماء المرشحين في صناديق الاقتراع، للتعبير عن وعي وإرادة سياسية تصر على عدم التنازل عن الحق الدستوري، لكنها (هذه الفئة) غير راضية عن القانون الانتخابي ومخرجاته المعروفة سلفا. 
النمطان الأول والثاني هما السائدان، فيما الثالث تنتهجه أقلية غير مؤثرة، مع أنه يعكس خيارا سياسيا رفيع المستوى، ويضع مؤشرات ملموسة قابلة للقياس لأوزان المقاطعة.
لكن الأهم يبقى رفع نسبة تسجيل المواطنين، لكي تظهر أوزان القوى المقاطعة والمشاركة، علما أن قرار تأجيل الانتخابات أصبح أكثر احتمالا في ضوء تدني حماس التسجيل، وتعقيدات الوضع على الجبهة السورية، ما قد يوفر مخرجا من ورطة تنظيم انتخابات بدون شرعية سياسية، عبر اللجوء إلى تغييرات إيجابية تسمح بتعديل مواقف القوى المقاطعة، وإن ظل هذا الاحتمال ضئيلا.
عموما، لا ضير في توسيع قاعدة هيئة الناخبين، وتشجيع المقاطعين من النوع السلبي والإيجابي، على ممارسة حقهم الدستوري والتأثير الإيجابي في العملية الانتخابية في حال بقي القانون المثلوم بدون تغيير.
 

المراجع

alghad.com

التصانيف

صحافة  رنا الصبّاغ   جريدة الغد   العلوم الاجتماعية