الجوانب النفسية والسلوكية في الرعاية التلطيفية
محمد أكرم بشناق
فاطمة سيدة تبلغ من العمر أربعين عاما. متزوجة ولديها اربع أولاد. سيدة عاملة ونشيطة اجتماعيا. أصيبت فاطمة بسرطان أدى إلى شلل في الأطراف الأربعة. توقف العلاج عن فاطمة وحولها الطبيب الجراح إلى فريق الرعاية التلطيفية.
بدت فاطمة منكسرة، جريحة، محطمة. تقول: تخيل أن يصل بي الحال أن لا أقوي على الطعام أو قضاء حاجتي بغير مساعدة. بل حتى إن حكني راسي أو وقفت ذبابة على رأسي لا أستطيع فعل شئ.
ابدت فاطمة الشعور بالإحباط والغضب من الأطباء. وتساءلت لماذا حدث لي كل هذا؟
جلس معها الفريق جلسة طويلة، استمع خلالها إلى همومها وأفكارها وتوقعاتها. وبدأ العلاج. خلال اليومين القادمين أبدت فاطمة سعادة ورضا نتيجة لتحسن الألم والأرق وضعف الشهية. بدأت فاطمة بتناول الطعام والحديث مع أولادها. طلبت فاطمة الخروج إلى المنزل. وتم التنسيق لفريق الرعاية المنزلية لاستكمال العلاج والمتابعة. قبل أن تغادر فاطمة قالت للطبيب: الأطباء قالوا لي أنني سوف ابقى مشلولة إلى الأبد. إلا أنني مصرة بعون الله أن أمشي وان أعود وادرس أولادي وأعد لهم الطعام.
بعد مرور شهرين، وصلت الأخبار وكانت المفاجأة. فاطمة عادت تمشي من جديد! لم يصدق أحد. جلس الطبيب مع فاطمة وقال لها: لا تتصوري كم أنا سعيد. إنها معجزة. أنت رائعة! يجب أن تعلمي أنني لم افعل شيئا بهذا الخصوص. قالت فاطمة: لا يا دكتور. الطريقة التي تعاملتم بها منذ البداية واستمرت في الرعاية المنزلية، منحتني الشعور بالتفاؤل والرضا. لقد تحرك داخلي الدافع الذاتي والإيجابية والمبادرة. لقد تغيرت طريقة تفكيري وصرت إنسانا افضل.
كن مبادرا
لا تنسى أنك أنت صاحب القرار فيما يحدث معك اليوم وما سوف يحدث غدا. لا تحّمل المسؤولية للأهل ولا تلقي باللوم على الطبيب وتتهمه بالتقصير.
إذا كنت اليوم مريض تتلقى العلاج فعليك واجبات كما أن لك حقوق.
واجبك ان تفهم جيدا ماذا يحدث. إسأل واقرأ وتعلم. ما هومرضك بالتحديد؟ وما هو اسم العلاج؟ ولماذا تأخذه؟ وها هي فرص الشفاء؟ وما هي البدائل؟ لا يجوز أن تتناول العلاج ولا تعرف لماذا ولا كيف ولا متى؟ لا تتذرع بالثقة في طبيبك فالثقة لا تعني الجهل.
عالم المعرفة اليوم واسع وسهل. إسأل عن الكتب الموثوقة وافتح النت على المواقع المعتمدة واقرأ وتعلم كل جديد.
لا تدع الجهال والتجار من انصاف العلماء يقامرون بصحتك ومالك. وإن اختلطت عليك الأمور ف "اسألوا اهل الذكر إن كنتم لا تعلمون".
الإلتزام بالعلاج بالأوقات والجرعات المحددة عامل أساسي للشفاء. من حقك ان تتلقى العلاج للأعراض الجانبية. راجع طبيبك وشاوره ولا تسمع لآراء الناس.
تذكر جيدا أنها قصة حياتك وأنت كاتب سطورها. أنت ما زلت مسيطرا على حياتك. بإمكان من حولك أن يشوروا عليك. ولكن لا أحد يلزمك بعمل شئ لا تريده.
وللأهل حقوق كما لهم واجبات. حاول أن تعوضهم عن تعبهم معك. أشكرهم من قلبك، وحاول أن تدخل الفرحة في قلوبهم وتؤنسهم.
ولا تنسى طبيبك والفريق المعالج. فهم أيضأ بشر. جميل أن تثني على جهودهم. وربما أهديتهم كتاب شكر أو هدية متواضعة كتعبير عن امتنانك.
وشعور جميل منك أن تتعلم من تجربتك كم يعاني أصحاب السرطان. ما رأيك لو تتواصل مع الجمعيات والمؤسسات المعنية وتتطوع بوقتك أو خبرتك أومالك لصالح مرضى السرطان؟
تذكر جيدا أنها قصة حياتك وأنت كاتب سطورها. أنت ما زلت مسيطرا على حياتك. بإمكان من حولك أن يشوروا عليك ولكن لا أحد يلزمك بعمل شئ لا تريده.
كن إيجابياً
إذا ما أصابك المرض وعطلك عن أداء أمورك اليومية، فلا تشغل بالك بالجزء المظلم من حياتك ولا تجعله يعشعش في روحك وأعماق فؤادك. بل ركز على ما تبقى لديك من حواس وقيم ومعاني رائعة.
مهما اشتدت ظروف المرض أو الأزمات، لا بد أن تدرك أن 90% من سعادتك أو شقائك هي في الحقيقة بيدك أنت لا بيد الآخرين.
أنت القادر على أن تصيغ حياتك بشكلٍ إيجابي وتصنع معنى السعادة إذا ما نظرت من حولك وتأملت ورأيت نعم رب العالمين تغمرك وأنت لا تدري.
هل ما زلت قادراً على الحديث والبيان أم ما زلت قادراً على القراءة والمشاهدة؟
هل ما زلت قادراً على المشي والتجوال أم ما زلت قادراً على مخالطة الناس؟
هل ما زلت قادراً على التفكير والتدبر أو ربما العبادة والدعاء؟
هل ما زلت محاطاً بأحبائك وخلانك؟ أم أنك تغتنم وقت الخلوة بالتأمل والتفكر وحديث النفس؟
ضع جانباً الأمور التي لن تستطيع تغييرها واشغل نفسك باستغلال ما تملك. أشعل سراجاً جديداً في سماء حياتك بدل من أن تتحسر وتلعن الظلام.
إن 90% من سعادتك أو شقائك هي في الحقيقة بيدك أنت لا بيد الآخرين
كن مبدعا
الخوف والقلق يجتاح صدرك ويملأ جوارحك. شعور بالوحدة وربما الإحباط والقلق. شئ طبيعي.. لا تقاوم الحزن ولا الخوف. تعايش مع المشاعر وتعلم منها.
الخوف.. هو عبارة عن مكبر يساعدك على رؤية الأشياء بشكل أوضح. إذا كنت لا ترى إلا ما يرى ولا تسمع إلا ما يسمع فانت في الحقيقة لا ترى ولا تسمع.
إذا ما مر بك طائف الخوف أو الحزن، حاول أن تفهم وتتفكر: مم أنا خائف وحزين؟ وماذا يمكن أن أفعل؟ ربما آن الأوان لأن تغير طريقة تفكيرك.
يقول العالم الشهير أنشتاين "لن نستطيع أن نخرج من المشكلة إذا بقينا نفكر بنفس الطريقة التي أوقعتنا بالمشكلة".
والتاريخ يثبت أن كل العظماء والمبدعين تغيرت حياتهم وقدموا لنا روائعهم بعد أزمة أو حالة خوف ألمت بهم.
الخوف هو أهم حاسة لدى الإنسان. الخوف يدفعك إلى التغيير الإيجابي إذا أحسنت استغلاله.
حاول أن تعيش مع الخوف والحزن وتلمس اسبابه. تأمل وتفكر وسوف تتدفق لديك الكثير من الخواطر الإيجابية والمبدعة.
إن الخواطر بطبيعتها تتحول إلى فكرة ثم عزيمة ثم فعلاً ثم عادة ترسخ في نفسية صاحبها حتى تصبح خصلة وصفة لا تبارحه.
الخوف هو أهم حاسة لدى الإنسان. الخوف يدفعك إلى التغيير الإيجابي إذا أحسنت استغلاله
كن متأملا
هل فكرت يوما أن تمارس التأمل؟
عندما تمارس التأمل فأنت تفعّل موجات ألفا في الدماغ. موجات ألفا هي المسؤولة عن الأحلام وحالة الاسترخاء والعقل الباطن.
ما عليك إلا أن تجلس في وضع استرخاء وتبدأ في أخذ شهيق وزفير عميق بشكل متكرر.
تخيل نفسك في مكان جميل من صنع خيالك وعش الواقع بكل حواسك.
إبدأ بترديد كلمات إيجابية مثل إنسان سعيد.. سوف أشفى.. أنا متفائل.. أو اشغل نفسك بقراءة القرآن والتسبيح والاستغفار.
تخيل كل عضو في جسمك وكل عضلة وكل خلية وقد تزودت بالهواء النقي وعش حالة استرخاء تام.
يفترض الآن أن تبدأ الخواطر الإيجابية والأفكار الجميلة بالتوارد إلى ذهنك. عش معها وحاول أن تحولها إلى أفعال وعادات.
إن الخواطر بطبيعتها تتحول إلى فكرة ثم عزيمة ثم فعلاً ثم عادة ترسخ في نفسية صاحبها حتى تصبح خصلة وصفة لا تبارحه.
هل فكرت يوما أن تمارس التأمل؟
عادة التأمل عادة جميلة، تساعدك على التخلص من القلق والتوتر وتهيئ الذهن لتقبل الأفكار الإيجابية وتمنحك المزيد من الاسترخاء والسعادة. مارس عادة التأمل يوميا.
إن الخواطر بطبيعتها تتحول إلى فكرة ثم عزيمة ثم فعلاً ثم عادة ترسخ في نفسية صاحبها حتى تصبح خصلة وصفة لا تبارحه.
كن متفائلا
كلنا يعلم أن الكواكب والأجرام السماوية محكومة بقانون الجاذبية. عليك أن تعلم أن لكل واحدٍ منا خاصية تسمى خاصية الجاذبية. وقد تبرمجت أفكارنا ومشاعرها وأحداث حياتنا ومصيرنا وفق هذا القانون.
حدد لنفسك وحياتك أهدافاً وطموحات وأعدها واعقد العزم والإصرار على تحقيقها، وسوف تذلل قوانين الطبيعة لتخدم هذه الأفكار (اعملوا فكل ميسر لما خلق له).
قد تقول سوف أنجح، سوف أقوم، سوف أرتقي أعلى المراتب، أو قد تقول سوف أتغلب على هذه الأزمات أو أحقق معنى السعادة. أو على النقيض من ذلك، سوف أفشل ولن أنجح ولن أستطيع وسوف يتحقق ذلك لما توقعت.
لا تدع الأفكار السوداء والروح السلبية تسيطر على حياتك. لا تقل أخشى من الفشل، أخشى من الفقر، أخشى من مكر الأعداء أو أخشى من المرض.
بل قل أرجو النجاح والتوفيق والشفاء وعزمت على تحقيق غاياتي وأحلامي وقررت صناعة حياتي وسعادتي، وسوف تفعل بعون الله تعالى.
لا تستهن أبداً بقدراتك وعزيمتك وإصرارك، حدد ما تريد، أنظر إليه كأنه بين يديك الآن. واعمل على هذا الأساس دون تردد ولاوجل وسوف يكون بإذن الله تعالى.
حدد لنفسك وحياتك أهدافاً وطموحات وأعدها واعقد العزم والإصرار على تحقيقها
كن ملهما
قد يأتي المرض أو الكرب ليهزك من الداخل ويرسم خطوطاً جديدة، تماماً كما يفعل الحجر إذا ما قذفته إلى صفحة البحيرة الهادئ فيحدث دوياً ثم يرسم دوائر تتسع بالتدريج في لوحة فنية بديعة.
قد تسأل نفسك اليوم أسئلة لأول مرة: من أنا؟ وماذا أفعل في حياتي؟ ولماذا حدث ذلك لي؟ وإلى أين أنا سائر؟ وما هو مكاني في هذه الحياة؟
نحن نتكلم هنا عنك أنت بالتحديد، وليس الحديث فقط عن مرض تريد التخلص منه. بل هو فرصة لتخرج أحلى ما عندك وتغدو حياتك بعد المرض أفضل مما كانت عليه قبل المرض.
هل رسالتك في الحياة أن تأكل وتشرب وتنام وتعيش على هامش الحياة إلى أن يحين أجلك وتخرج من الحياة كما دخلت وكأنك لم تكن يوماً هنا؟ هل هذا حقا ما تريد؟
أم أنك تتمنى أن تكون شخصاً مؤثراً مبدعاً؟ أو ربما ملهماً بقيمه وأخلاقه؟ هل ستكافح وستعمل وتضحي من أجل غاية عظيمة؟ وما دورك مع من حولك من زوجة وأولاد وأقارب وأصدقاء؟
قل لي: إذا ما كتب لك يوماً أن تموت، كيف تحب أن ينعاك الناس وبماذا يذكروك من مناقب وصفات وأفعال؟ إذا أجبت عن هذا السؤال فليكن هذا الجواب هو رسالتك في الحياة من الآن فصاعداً.
وبهذا سوف ترى أن روحك تسمو إلى ما هو أبعد من الصراع مع المرض. إلى ما هو أسمى وأحلى وأعظم.
كيف تحب أن ينعاك الناس وبماذا يذكروك من مناقب وصفات وأفعال؟
كن مسؤولا
إذا ثقلت عليك الأعباء وأقعدك المرض عن روتين حياتك فلاتيأس ولا تحبط. فمازلت شخصا ًصاحب قرار ومسؤولية ضمن قدراتك التي تعلمها جيداً.
لا تتهم الآخرين بالتقصير معك أو التهاون في الوقوف معك في ظروف مرضك وهمومك، فلكلٍ ظروفه والتزاماته، والإنسان بطبيعته ينسى ويقصر ويسهو.
التمس لهم الأعذار وتفهم أمرهم. وعلى العكس بادر أنت وتحدث إليهم، وادعهم لزيارتك في مواعيد معينة، أو إبقى على تواصل معهم.
لا تكثر الشكوى والتذمر أمام من حولك فيملوا منك ويضجروا.
لا تأخذ تعاطف الأهل والأحباء لك وتقدمهم للمساعدة وعونك بحساسية. هم بذلك يعبرون عن حبهم لك ووقوفهم معك بدافع المحبة والتعاطف لا الشفقة.
في بعض الأحيان، يضيق صدرك بالأفكار والمشاعر. وأنت بحاجة لمن تبوح له بهمك. لا تكتم مشاعرك وتحدث بها. ليس من العيب أن تكون حزينا أو خائفا أو محبطا. والشخص الذي يحبك سيستمع إليك باهتمام وليس بشفقة. تحدث إليه وفرج عن همك.
لا تتهم الآخرين بالتقصير معك أو التهاون في الوقوف معك في ظروف مرضك وهمومك
كن سعيدا
هل تشعر بالحنين إلى صديق قديم أو إلى أصحاب الدراسة؟ مر زمن طويل ولم تلتقوا؟ ما رأيك لو تلتقي بصديقك أو بهذه المجموعة وتتذكروا الذكريات الجميلة وتلهوا مثل زمان؟
دع حالة الكسل والعجز ومارس أشياء تحبها.. ربما إعداد الطعام أو التصوير أو الإنترنت أو الجلوس مع الأهل أو الزراعة.. لا تترك مجال للفراغ أو الملل.
أو ما رأيك بالقراءة؟ فتش في كتبك القديمة أو قم بزيارة إلى المكتبة واشتري بعض الكتب أو المجلات واستمتع بالقراءة في هدوء.
للرياضة دور فعال في تنشيط الجسم وتحسين المزاج. ما رأيك في المشي وقت الصبح أو العصر؟
والحديث عن الأطعمة والأشربة التي تساعدك يطول. إسأل عن مضادات الأكسدة مثل التفاح والعنب والرمان والجزر والتوت.
وكلنا بحاجة إلى الضحك. فالضحك يعزز المناعة والسعادة. إبحث عن شيئ يضحكك واضحك من كل قلبك.
إبحث عن السعادة الحقيقية في مد يد العون للآخرين..ساعد مريضا..تصدق.. صل رحمك..تطوع..لا تتوقف فالسعادة الحقيقية في العطاء لا في الأخذ.
مارس العبادة ولكن بخشوع وتدبر.. الصلاة والقرآنوالدعاء والتسبيح والإستغفار.. أو ربما العمرة.
سافر.. وإن لم تستطع زر أماكن لم ترها من قبل في بلدك.
تعلم كل يوم شيئاً جديداً، أو ازرع شجرة، أو داعب طفلاً، اقرأ واسمع وتناول أطيب الطعام والشراب. اقضي يوماً كاملاً بالأحداث الجميلة ونم آخر النهار قرير العين.
تعلم كل يوم شيئاً جديداً، أو ازرع شجرة، أو داعب طفلاً، اقرأ واسمع وتناول أطيب الطعام والشراب. اقضي يوماً كاملاً بالأحداث الجميلة ونم آخر النهار قرير العين
كن مطمئنا
إذا ضاقت بك السبل وسدت الطرق... فاذكر الله.
إذا تخلى عنك القريب والبعيد ... فاذكر الله .
إذا حار بك الأطباء وعجز العلم والعلماء ... فاذكر الله.
إذا اظلمت الدنيا في وجهك وضاق صدرك وتاهت نظراتك .. فاذكر الله .
قال سبحانه: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب). وقال: (فاذكروني أذكركم).
إذا كنت تبحث عن السعادة الحقيقية ولا تجدها وتحاول أن ترسم على شفتيك ابتسامة الرضا ولا تستطيع، فابحث عنها في مد يد العون للآخرين.
في اللحظة التي تدرك فيها لذة وحلاوة إغاثة الملهوف وعون المحتاج والسعي في حاجات الناس، عندها لن تنحصر سعادتك في نفسك فقط، بل هي تمتد لتشمل كل من قابلت وصادفت وعاشرت.
لاتستخف بنفسك ولا تدع الوساوس تتسرب إليك فتتهم نفسك بالذنب والتقصير لما ألم بك، وتذكر أن كل العظماء على مر التاريخ مروا بظروفٍ صعبة كالتي تمر بها وتجاوزوها.
إن ما مضى ذهب ولن يعود، فلا تشغل بالك بتقليب أوراق الماضي والتحسر على شيء فات ولن يعود. ولا تملأ قلبك وعقلك هماً وفكراً ماذا يمكن أن يحدث غداً، فكله في علم الغيب ولا أحد منا يدري ماذا سيحل معه بعد دقائق فما بالك بعد أيام وسنين.
لا تدع الوساوس تأخذك إلى زعزعة إيمانك ويقينك، وتظن أن الله يعاقبك لذنبٍ اقترفته أو أن الله جل وعلا ظلمك بهذا الابتلاء إذ اصابك به دون سائر العباد. من قال أن عباد الله العصاة فقط هم من يتعرضون للمحن؟ ألم يبتلي الله تعالى الأنبياء والصديقين بالمرض والكرب والهم؟؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير!! وليس ذلك إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على قدر دينه، فإن كان في دينه صلابةٌ اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقةٌ ابتلي على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد، حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئةٌ).
فلا تكف عن الوقوف ببابه والدعاء والتوسل إليه وهو القائل: "أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء".ويقول: "وإذا سألك عبادك عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان".
إن ما مضى ذهب ولن يعود، فلا تشغل بالك بتقليب أوراق الماضي والتحسر على شيء فات ولن يعود.
كن متوكلا
قد تحدثك نفسك وتقول: هل لي من أمل؟ وهل للعمر بقية؟ وماذا لو كان مرضي هذا هي القاضية؟ وماذا لو متّ غداً أو بعد أسبوع أو شهر؟ ما الفائدة إذاً من العمل ومن العلاج وأنا على أعتاب الموت؟
إنه من المهم جداً هنا أن توازن بين الأمل والتفاؤل وبين الواقعية. لا تفقد الأمل أبداً بفرص الشفاء وتجاوز المرض والعودة إلى حياة تملؤها الصحة والعافية، وعلى ذلك خطط للمستقبل وعش الحاضر واعمل واجتهد كما لو كنت ستعمر طويلاً. وفي الوقت نفسه فلا تدري ما هو مكتوب عليك غداً ولا أحد يضمن أجله وعمره، وحريٌ بك وخصوصاً مع ظروف مرضك أن تتذكر أن الموت هو سنة الحياة، فيجدر بك أن تكثر من العمل الصالح وتوصي أولادك وأحباءك. وإذاكان لديك عمل طيب فأتممه وأكمله، وإذا كان لديك ذنب أو خصومة فهذا وقت التوبة والمصالحة.
وتذكر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم " إذا قامت الساعة على أحدكم وفي يده فسيلة فلا يدعها حتى يغرسها" و قول سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً" .
فكر ماذا ستنجز اليوم وكيف ستدخل الفرحة إلى قلبك وقلوب من حولك، فكر كيف ستعبد الله وتتقرب إليه، ارسم الابتسامة في وجوه من حولك وجالس عائلتك وأحبائك وأولادك.
احذر أن تخلط بين الأمور وتنسى الحقائق. فالنافع والضار هو الله وحده. فلا تركن إلى المخلوق ولا إلى العلاج، فالشفاء والمخرج والعون من الله تعالى وحده وما سواه ليس إلا وسائل يقدرها الله تعالى بعلمه وحكمته.
إن من رحمة الله تعالى وحسن تدبيره أنه إذا أخذ أعطى إذا حرم منح وإذا أغلق باباً فتح أبواباً. والله تعالى عندما يسير هذا الكون ويبتلينا بالخير والشر فله في كل شيء حكمة وتقدير. ونحن قد لا نرى هذه الحكمة لقلة علمنا وضعف خبرتنا. فقد يقدم الفرج أو يؤخره أو يضيق الخير أو يوسعه وقد يحرم أو يعطي، وكل ذلك بأمره وتقديره. حتى المرض والسقم والكوارث قد يكون ظاهرها الشر وباطنها الخير.
فلربما تتعلم نفسك الصبر والأمل والعطاء والتفاؤل بعد المرض والكرب. وقد تصحو النفس من غفلتها، و تقد رأكثر معنى الحياة وجمالها فتزهو وتسمو. وقد يكون المرض فرصة للتقرب إلى الله تعالى والرجوع إليه والتذلل إليه.
وتذكر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وان اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك).
المراجع
grenc.com
التصانيف
أحياء الطبي طب العلوم الاجتماعية العلوم التطبيقية