تنشغل مجالس الادارة والادارة العليا بقائمة طويلة جدا من الشركات المساهمة العامة والخصوصية بقضايا متنوعة، بعضها يتصل بفك الرهونات والحجوزات، ومتابعة تحويلها الى المدعي العام بسبب تأخر تقديم البيانات المالية، او متابعة امور مع هيئات الرقابة ومكافحة الفساد، او متابعة اعادة تسلم الادارة بعد تشكيل لجان ادارة تنفيذا لقرار حكومي، او متابعة عدم قناعة مسؤول في مراقبة او هيئة مختصة بالشركات في عملية تحويل ملكية ما بين الشركاء برغم اكتمال كافة التواقيع، وهناك قائمة طويلة جدا من التفاصيل لامكان هنا لسردها، لكنها مجتمعة تضعف بيئة الاستثمار، وتنفر استقطاب مستثمرين جدد، وهناك قاسم مشترك لعزوف رجال اعمال عرب واجانب عن الاستثمار في الاردن، وهو خشية المحاسبة والتجريم في ظل مرحلة استهوى البعض ايجاد ضحايا جدد في اوساط الاستثمارات والمستثمرين.

هذه الصورة السريالية ( Surr alisme ) وهي (الفواقعية أي فوق الواقع ) شغلت المستثمرين بالشكل وذهبت بهم بعيدا عن جوهر العملية الاستثمارية التي تسعى الى التنمية والربحية لهم وللاقتصاد والمجتمع، وفي ضوء هذه الفوقية اصبح المستثمرون يفضلون العمل بأقل قدر ممكن، وفي نفس الوقت اكتفى الموظف الرسمي بالعمل بعيدا عن الابداع وبمعزل عن تحمل المسؤولية وينتظر من يعلق الجرس، لذلك ليس من باب الصدفة ان نجد المسؤول او الوزير يبتعد عن تقديم المعلومات او الاجابة على سؤال للمواطنين او الاعلاميين خشية الوقوع في المحظور في مرحلة حافلة بالمتربصين خيرا شرا.

السؤال الطبيعي الذي يطرح... ما الذي حدث؟...هل تغيرت تشريعاتنا الناظمة للاستثمارات؟...وكيف تمت إدارة المؤسسات العامة والملفات الاقتصادية والمالية طوال العقود والسنوات الماضية...وكيف استطاع الاردن قبل سنوات ان يقدم حاضنة دافئة ومشجعة للاستثمارات الخاصة العربية والاجنبية؟...واليوم مع انحسار قدرة دول عربية على استقطاب استثمارات جديدة جراء ثورات تؤخر ولا تقدم، واحتجاجات واقتتال بين الاخ واخيه في عدد من دول الاقليم، الا ان الاردن لم يستطع تقديم نفسه بديلا مناسبا لاحتضان رؤوس اموال وخبرات عربية خرجت او اُخرجت من اوطانها في ظل ظروف عصيبة.

ان الاجابة على جملة الاسئلة الواردة اعلاه تنحصر في كلمة واحدة...لقد نجح نفر لا يتمتع بالمسؤولية الحقيقية في اضعاف الثقة في كل ما بناه الاردنيون طوال عقود مضت، وتم ذلك بدعوى الحرص على تعزيز الثقة، وحماية الحقوق، وإضفاء الشفافية والحوكمة، ومحاربة الفساد وملاحقة الفاسدين....وغير ذلك من العبارات والمقولات الرنانة، وكانت النتيجة ان رسموا صورة مشوشة للاقتصاد الاردني وبيئته الاستثمارية، وتحول تعزيز الثقة الى اضعافها الى ادنى الدرجات، وخسرنا الفرصة تلو الفرصة، ولم نصل بعد الى قناعة اننا لم ولن نعيش في مدينة افلاطون الفاضلة التي لم يحققها افلاطون نفسه الذي مات مسموما...ان العودة الى طبيعتنا نعالج الفساد بصمت وباعتماد القضاء، ونترك الجميع يعمل بحرية، ونعود الى الاردن الذي نعرفه ويعرفنا اكثر من انفسنا.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  خالد الزبيدي   جريدة الدستور