بعيدا عن نمط "المساكنة" بين الشاب والفتاة ، الذي انتقل إلينا من الغرب والشرق (الصين تحديدا) ثمة نمط آخر جديد وفرته طبيعة الحياة الجديدة في المدن الكبيرة ، حيث تعمد بعض الفتيات وربما النساء المتزوجات إلى الهروب من بيت الأسرة ، والاختفاء في بحر المدينة الهائج ، عبر استئجار شقة صغيرة مفروشة أو استديو ، والعمل فيما يرضي الله أو ما يُغضبه ، حسب السياق والظروف ، فرارا إما من ظلم الزوج وجبروته ، أو قسوة الأب والإخوة الذكور،.

هذا النمط من "الأسر" العرجاء لم يصل حد الظاهرة ، ولكنه بدأ يظهر في عمان تحديدا ، وفق المعلومات التي يوفرها أصحاب الشقق المفروشة ، حيث تستضيف هذه الشقق فتيات ونساء من جنسيات وأعمار مختلفة ، وجدن فيها ملاذا آمنا ، يختفين فيها ويعملن عبرها ، كي يُعلن أنفسهن ، والسبب أنهن لم يتوفر لهن من يحتضن مشكلاتهن ويحلها تحت سقف الأسرة ، ولم يجدن بُدا من الهرب وشق الطريق عبر حياة "أخرى" تكتنفها المخاطر ، وتوفر مناخا مناسبا للانحراف والانجراف ، في سبيل توفير لقمة عيش ربما تكون مغمسة بالدم فعلا لا قولا،.

ربما يخرج علينا أحدهم ليقول لنا أننا نركز على جوانب معتمة من حياتنا ، ونحاول تضخيمها ، والصحيح أن دور الكاتب والصحفي يشبه دور حملة ونافخي الصافرات الذين كانت تكلفهم بعض القبائل الإفريقية باعتلاء رؤوس الجبال لمراقبة الطرق المحيطة بالقبيلة ، حتى إذا رأوا خطرا بدأوا بالنفخ بالصفارات كي تستعد القبيلة لمواجهة الخطر القادم ، وهذا بالضبط ما نحاول القيام به هنا ، فنحن نعرف أن قصة "الأمهات العزباوات" مثلا لم تتحول إلى ظاهرة في مجتمعنا ، لكنها بدأت كحالات تقع هنا وهناك ، ولهذا بدأنا نسمع عن قصص ترقيع البكارة والإجهاض ، وللأسف فحسب المعلومات المتوفرة ثمة مختصون بهذا النوع من العمليات ، وطرق سرية لإجرائها ، ونظن أن حالات هروب الفتيات والنساء من بيوتهن الشرعية بدأت بالتكاثر شيئا فشيئا ، كما هو شأن حالة "المساكنة" في بعض عواصم الوطن العربي ، حيث بدأت تنتشر هنا وهنا ولو على نطاق ضيق ، ومرد هذا كله التفكك الأسري وحالات الفقر المدقع المفضي إلى توليد عدد يستعصي على الحصر من المشكلات،. نحن اليوم نعيش آفة اسمها الشقق المفروشة ، وأذكر أنني زرت بلدا عربيا منذ سنوات طويلة واضطررت للسكن في إحدى هذه الشقق ، قبل أن تنتشر هذه الظاهرة في عمان ، وفوجئت أن نظرة الناس العاديين لهذه الشقق مشوبة بالاتهام ، حيث يجري فيها ما يجري من خروج على المألوف ، وارتكاب موبقات يعلم الله أنني لم أكن أسمع بها حتى ذلك الحين ، حتى أنني اضطررت لترك الشقة واللجوء إلى أحد الأفارب حتى أتخلص من نظرات الاتهام التي بدأت تتوجه لي،.

أعرف أن الشقق المفروشة خاضعة للتدقيق الأمني ، شأنها شأن الفنادق ، لكننا بحاجة أيضا لتدقيق أخلاقي ، وأسري ، ودعوي ، حفاظا على ما بقي من أخلاقنا وتقوانا.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  حلمي الأسمر   جريدة الدستور