لابدَّ من التعامل مع رمضان على أنه، كما الناس تراه عملياً، شهرَ تراخٍ في كل شيء، وأنه إجازة فعلية عامة وشهر احتفاءٍ اجتماعيّ، على نحو ما هو شهر أعياد الميلاد في دول الغرب. إذ إنَّ الحناجر قد بُحَّت وهي تدعو إلى ترشيد رمضان بالتعبد، وترشيد الاستهلاك فيه، ذلك أن الناس، أوعت ذلك أم لم تع، تريد أن تحتفل، وتريد أن تُظهر ابتهاجَها بهذا الشهر الذي بات يمثِّل في ذاكرتها مناسبةً اجتماعيةً لزيادة التواصل الاجتماعي، وصلة الرحم، والسعادة التي تتمثّل بالخروج عن مألوف تمضية الوقت في سائر الأيام.
إذن، ما دمنا أمام تحوُّلٍ جذري عن معنى رمضان كما نزل في بدايات الإسلام، فلنسلِّم بالأمر الواقع، ولنتعامل معه على أنه حقيقة لا مناص من الاعتراف بها. وذلك أن التراخي في العمل ليس أمراً يأمر به العقل البشري، بل هي قوانين الجسد، فنقص الماء والسوائل يخفِّض الحيويَّةَ العامَّة للكائن، ما يجعل النعاس قرين العين في ساعات النهار. وبما أن ليس جميع المسلمين والمسلمات أصحاب همَّة كهمَّة الصحابة، من تلك التي تذهب إلى الجهاد الأكبر؛ أي مجاهدة النفس، فإنَّ التيسير على الناس بات مطلباً إدارياً واستراتيجياً، وخصوصاً عندما يأتي رمضان في الصيف. أقصد أنَّ تأخير ساعات الدوام وتقليلها لا يكفي. وأقترح أن نفيد من تجربتَيْ الغرب في أعياد الميلاد، والسعودية في رمضان. حيث تعطِّل المؤسَّسات الحكومية وكثير من الخاصة تعطيلاً كاملاً، ما عدا تلك التي لها طابع خدماتي حيوي. إذ سنظلُّ كمن يضحك على نفسه بأننا نعمل، ونحن لا نكاد ننتج شيئاً، والناس تتأفَّف من كسل الموظفين، وضيق ذرعهم بالمراجعين، وضيق مزاجهم بالتعامل الحسن، الذي تقدمه أمثولة رمضان. كما يشكو الموظفون من نزق المراجعين، وسوء خُلُقهم أحياناً، ومن قلة عنايتهم برائحتهم وبالنظافة الشخصية التي تجعل خدمتهم بإخلاص من الأمور الصعبة.
ونستطيع طبعاً التعويض عن ساعات العمل الضائعة في هذه الإجازة القسرية، بزيادة ساعات العمل اليومية خارج رمضان. فنحن نعمل في دوائر الحكومة سبع ساعات فقط، وهي ليست بالعبء الثقيل إن تساويْنا مع البلدان المنتجة والمتقدمة في عدد ساعات العمل اليومية.
في البلاد الحيَّة تُحَلُّ المشكلات على مستوياتٍ عدة، منها: مستوى الأمر الواقع، ومستوى التنشئة والتثقيف، وهو الأهم. وما دمنا قد أخفقنا حتى الآن في الأهم، فلنلجأ، على الأقل، إلى المهم، حتى لا نقضي الحياة ونحن نشكو ونبكي وننوح
المراجع
alghad
التصانيف
صحافة زليخة أبوريشة جريدة الغد