الإشارات الواردة من واشنطن وموسكو تشكّل تطوّراً مهمّاً يسهم في تنقية الأجواء التي شابت علاقات البلدين خلال السنوات الأخيرة، ويفتح على حوار يقوم على الثقة المتبادلة
 
تلاحقت الأنباء، في الأيّام القليلة الماضية، وكلّها من وزن ثقيل واستراتيجيّ، عن تطوّرات تستجدّ على العلاقات الأميركيّة – الروسيّة.
فقبل قرابة أسبوع من اليوم، أشارت الصحف إلى ترحيب موسكو بإدارة أوباما وإبداء استعدادها للتعاون معها في الحدّ من الأسلحة النوويّة وتأمين طرق الإمدادات للقوّات الأميركيّة في أفغانستان.
هذا ما أعرب عنه بصراحة نائب وزير الخارجيّة الروسيّ غريغوري كاراسين، مؤكّداً ارتياحه إلى "الرسالة الإيجابيّة الجديدة" من واشنطن. وكانت صحيفة "ذي تايمز" قد ذكرت، نقلاً عن مصدر في الإدارة الجديدة، أن أوباما يتهيّأ لإطلاق مبادرة غير مسبوقة تدعو الى تقليص الرؤوس النوويّة لدى روسيا ولدى بلاده بنسبة 80 في المئة، بحيث تنكمش ترسانة كلّ من البلدين إلى نحو1000 رأس نوويّ.
والمصدر نفسه أضاف أن إدارة أوباما "تنوي استئناف المحادثات المتعلّقة بنزع السلاح مع روسيا، ونحن "أي الأميركيّون" مستعدّون لمناقشة المسائل التي تثير قلقهم"، خصوصاً خطّة نشر الدرع الصاروخيّة التي تمسّكت بها إدارة جورج بوش.
كذلك أشار المصدر الأميركيّ إلى نيّة الولايات المتّحدة توقيع معاهدة جديدة لخفض الأسلحة الهجوميّة الإستراتيجيّة مع روسيا، تحلّ محلّ معاهدة "ستارت" التي ينتهي مفعولها نهاية عام 2009. ومعروف أن موسكو سبق أن دعت إلى إعادة النظر في المعاهدة المذكورة مع مراعاة الظروف الدوليّة الجديدة بضمّ بلدان أوروبيّة إليها.
بعد نائب وزير الخارجيّة بيوم واحد فقط، استعاد نائب رئيس الوزراء الروسيّ سيرغي إيفانوف كلاماً مشابهاً، فأبدى ترحيب بلاده بالتوجّه الجديد لإدارة أوباما، ناعتاً إيّاها بأنّها "أبدت استعدادها لبدء مفاوضات تنتهي خلال سنة بتوقيع معاهدة روسيّة - أميركيّة حول الحدّ من الأسلحة الاستراتيجيّة".
ورأى خبراء روس، حسب ما نقلت الصحف، أن الإشارات الواردة من واشنطن "تشكّل تطوّراً مهمّاً يسهم في تنقية الأجواء التي شابت علاقات البلدين خلال السنوات الأخيرة، ويفتح على حوار يقوم على الثقة المتبادلة".
كذلك أشار مصدر نيابيّ روسيّ إلى أن "الرسائل الإيجابيّة" التي تبادلها الجانبان مؤخّراً تدلّ إلى جديّة في تقريب وجهات النظر حيال ملفّات الأمن الإستراتيجيّ، ما يعني أن علاقات موسكو وواشنطن مرشّحة للدخول في "مرحلة جديدة ستجد انعكاساتها على الصعيد الدوليّ".
وكان "مصدر روسيّ" أبلغ صحيفة "الحياة" أن الاستعداد الذي أبداه الجانبان لخوض مناقشات جديدة وبنّاءة في الملفّات الإستراتيجيّة، يساعد على خفض النفقات العسكريّة والالتفات إلى معالجة آثار الأزمة الماليّة، ممكّناً موسكو من توفير موارد مهمّة كانت ستُنفق على تعزيز قدراتها الصاروخيّة في مواجهة "الدرع" الأميركيّة.
وبعد يوم آخر، خطا كاراسين خطوة أبعد في المغازلة الثنائيّة، كاشفاً عن أن موسكو ردّت بالإيجاب على طلب واشنطن توفير طرق الإمداد والتموين للقوّات الأميركيّة في أفغانستان، بدل قاعدة "ماناس" الجويّة الأميركيّة في قرغيزستان التي تقرّر إغلاقها، على رغم حيويّتها الفائقة بالنسبة الى الإمدادات للقوات الأميركيّة في أفغانستان. والمعروف أن تدخّلاً روسيّاً قويّاً يكمن وراء قرار إغلاق القاعدة، خصوصاً أن القرار أُعلن من موسكو وتزامن، على ما نقلت الصحف، مع تقديم قرض لقيرغيزستان بقيمة بليوني دولار، إضافة إلى منحة ماليّة غير مستردّة قيمتها 150 مليون دولار، وهو المبلغ ذاته الذي كانت واشنطن تدفعه كمساعدات وكمقابل لاستئجار القاعدة.
ما الذي يتحصّل من هذا؟
أوّلاً، أن روسيا التي ضربتها أزمة أسعار النفط في العمق ترغب في المساومة. إلاّ أنّها ترغب فيها بشروط قوّة نسبيّة، بحيث تتحدّث هي بلسان محيطها الإقليميّ، كما تتولّى هي تقديم القواعد أو غير ذلك لواشنطن، بدل أن يقوم بالمهمّة أطراف ثانويّون في التحالف الذي تتزعّمه.
وثانياً، أن إدارة أوباما، التي ستمنح أولويّتها في سياسات الحرب لأفغانستان و"القاعدة"، مدعوّة إلى التسوية مع موسكو بشروط مقبولة من الجانبين، بعيداً من نزعة الإخضاع والتحدّي البوشيّة، وكذلك من الإقرار المطلق بانبعاث الامبراطوريّة السوفياتيّة تحت مسمّيات أخرى.
في الحالات كافّة، يمكن الحديث، بالقليل من المغامرة، عن صياغة قواعد جديدة للعلاقات الأميركيّة – الروسيّة. وهو ما يحمل على التفكير بوضع الشرق الأوسط، انطلاقاً من إيران والتعامل معها، على نحو مختلف!

 

 حازم صاغية


المراجع

alghad.com

التصانيف

صحافة  حازم صاغية   العلوم الاجتماعية   الآداب