أكدت كلينتون في زيارتها الى الصين ضرورة بناء علاقات قويّة، وأن "حقوق الانسان"، على أهميّتها، لن تعرقل ذلك
حين كانت تخوض معركتها للحصول على ترشيح حزبها الديمقراطيّ للرئاسة، العام الماضي، كتبت هيلاري كلينتون مقالة ترسم فيها ملامح السياسة الخارجيّة كما تريدها، فرأت أن علاقة الولايات المتّحدة بالصين ستكون، في هذا القرن، أهمّ علاقة ثنائيّة مع الخارج تقيمها واشنطن. إلى ذلك، منذ الستينات والحرب الفيتناميّة، لم تعد آسيا ما تُفتتح به جولات قادة الديبلوماسيّة الأميركيّة بُعيد وصول إدارة جديدة إلى البيت الأبيض. وها هي هيلاري، كوزيرة للخارجيّة، تفتتح الجولة بآسيا، وتتوّجها بالصين، كما ترفقها بتصريحات عن "أولويّة" العلاقة مع "الشركاء" في المحيط الباسيفيكيّ، كما العلاقات مع "الشركاء" الأوروبيّين في المحيط الأطلسيّ. 
صحيح أن الطمأنة إلى استمرار العلاقة الخاصّة مع طوكيو، والانفتاح على الإسلام والمسلمين من خلال أندونيسيا، وتركيز الأنظار حول المشكلة النوويّة مع كوريا الشماليّة...، هي كلّها عناوين عريضة لتلك الجولة. بيد أن ما يحصل في بكين يبقى الموضوع الأوّل والموضوع الحاكم.
وما لا شكّ فيه أن هيلاري ستبدي بعض التحفّظ، على جاري العادة، عن موضوع حقوق الإنسان في الصين. ولم يكن بلا دلالة رمزيّة أن يُذاع ويُنشر خطاب تنصيب الرئيس باراك أوباما في بكين، مع وصولها هي إلى هناك. إلاّ أنّ فقرات منه بكاملها لم تُنشَر، لا سيّما منها تلك المتعلّقة بهزيمة الشيوعيّة والفاشيّة في الحرب الباردة والحرب العالميّة الثانية.
ومعروف أن هيلاري لديها، هي نفسها، تجربتان سابقتان مع الصين: الأولى، حين تُرجمت، قبل قرابة ثلاثة أعوام، مذكّراتها إلى الصينيّة لكنّها اكتشفت، عبر مترجميها، أن صفحات كاملة من الكتاب لم تظهر في الكتاب الصينيّ!
والثانية، في أيلول (سبتمبر) 1995 وكانت يومها السيّدة الأولى في الولاية الرئاسيّة الأولى لزوجها. وبالصفة هذه ألقت الخطاب الرئيسيّ في المؤتمر العالميّ الرابع للمرأة المنعقد آنذاك في بكين. ففي ذاك الخطاب الذي دام إلقاؤه عشرين دقيقة، وردت عبارات لا تخلو من قسوة، إذ مثلاً "من حقّ النساء والرجال على السواء"، كما قالت، "أن يتمتّعوا بمجموعة من الحمايات والحريّات الشخصيّة من الحقّ في الأمن الشخصيّ إلى الحقّ في أن يقرّروا بحريّة عدد الأطفال الذين ينجبونهم والفسحات الزمنيّة التي تفصل بين واحدهم والآخر"، وهذا غير متاح هناك. وأضافت بلغة جازمة: "ما من أحد ينبغي إجباره على البقاء صامتاً خوفاً من اضطهاد دينيّ أو سياسيّ، ومن اعتقال أو إساءة أو تعذيب". وقد حمل خطابها ذاك الذي أثار استياء الرسميّين الصينيّين، أكثر من فقرة في هذا المعنى.
لكنّ حقوق الإنسان لن تحتلّ، في أغلب الظنّ، الموقع الذي كانت تحتلّه في السابق. وهذا ما أشارت إليه وزيرة الخارجيّة بتوكيدها على ضرورة بناء علاقات قويّة، وأن "حقوق الانسان"، على أهميّتها، لن تعرقل ذلك. فما بين الضعف، السياسيّ والعسكريّ والاقتصاديّ الذي نزل بالولايات المتّحدة في السنوات الأخيرة، والنتائج السلبيّة التي تمخّضت عن حملة الإدارة السابقة تحت عنوان "الديموقراطيّة" ونشرها في العالم، يُرجّح أن تعود الصدارة لمسائل "واقعيّة"، من غير أن تختفي أجندة "الحقوق" طبعاً. والحال أن ثمّة عناوين صارخة في أهميّتها تربط البلدين، كالاقتصاد في ظلّ الأزمة الراهنة، والتغيّر المناخيّ ودور التصنيع الصينيّ فيه، والتعاون لتذليل سلاح كوريا الشماليّة النوويّ، واستعادة التعاون التقنيّ الذي انقطع في عهد بوش.
وقصارى القول إن هذه الزيارة ستترك ثلاثة أسئلة للمراقبة: أوّلاً، على أيّ توازن سترسو الصيغة الجديدة ما بين "حقوق الانسان" ومسائل "الواقعيّة"، وثانياً، كيف سيستقرّ التوازن، داخل الإدارة الأميركيّة الجديدة، ما بين الاهتمام بآسيا، خصوصاً الصين، والاهتمام التقليديّ بأوروبا والتحالف والتنسيق معها، وثالثاً وأخيراً، كيف ستتشكّل الموازنة بين مراعاة الصين وأخذ أهميّتها في عين الاعتبار وبين الضمانة المقدّمة لليابان، واستطراداً لتايوان؟
فلنراقب عن كثب تغيّراتٍ قد لا تكون من صنف عاديّ

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   حازم صاغية