عَجِبَ موظف ضريبة الدخل عندما قصدتُه ليوافق على صرف شيك باسمي من وزارة الثقافة (هو ثمن تذكرة لمؤتمر) من أن ليس لي بعدُ ملفٌّ لديهم. وبدوتُ لوهلةٍ كأنني امرأةُ أعمالٍ مُتخَمةٌ بالمال تتهرَّب من دفع الضريبة. ولكن الأسئلة التي انهالت عليَّ للتأكد من أنkي لست سوى كاتبة لا تُحصِّل الا مكافأة من صحيفتها، جعلتِ الموظَّفَ المعنيَّ لا يطمئنُّ حتى أزوِّدَه بوثائقَ تثبت فعلاً أنني لا أثري ثراء فاحشاً من فعل الكتابة، وأنَّ مكافآتي مجتمعةً لا تكفي لسدِّ ثقبٍ أسودَ واحدٍ من تلك التي تبتلع ميزانية الفرد في بلدي الحبيب. لم أستطع حتى الآن من تقديم الأوراق اللازمة – التي تحتاج إلى سعيٍ - لأسبابٍ صحية، غير أنني كلما تذكرتُ واجبي الوطني مع ضريبة الدخل، انهالت على رأسي صور أهل الثقافة وهم يجرون وراء لقمة العيش للفوز - الذي لطالما كان نصيبُه الإخفاقَ الموحش – بحياة شبه كريمة.
هذه شريحةٌ من المجتمع هي المسؤولةُ عن مِلاط الفكرة النبيلة والخيال الخلاق.. هي التي تنهضُ للإبداع فتجعل حياتنا أجملَ ومعناها أكرم.. فبالإضافة إلى شحِّ مصادر دخلها أصلاً، وغياب سياسة وطنية تفسح لأفرادها مكانة تضمن لها وضعاً اقتصادياً كافياً لدفع الفواتير جميعها على الأقل، تأتي ضريبة الدخل لتصادرَ ما بقي من أمل في هذه المكانة، وتحاسبَها على المكافآت الهزيلة التي تحصل عليها لقاء انصرافها الكلي إلى تجميل الوجود، وخلق الأفكار والمعاني والصور التي من شأنها أن تشد عناصر الحياة إلى بعضها، وأن تساهم في مسيرة المجتمعات والإنسانية وصلاحها.
إنَّ المكافآت التي تُحصَّل على كتابات واستشارات ثقافية أو فنية وخدمات مشابهة، لايجوز أن تخضع لمقاييس الدخل الثابت. إذ لم يبلغ علمنا أنَّ فناناً تشكيلياً أردنياً، أو كاتب سيناريو أو روائياً أو كاتب عمود في صحيفة، أو مخرجاً مسرحياً أوممثلاً أو ناقداً قد اغتنى من فنه أو كتابته أو مسرحه أو تمثيله....إلخ. ففي مراجعةٍ سريعة للمكافآت الثقافية (وهي تلك التي لا تتكرر بشكل منتظم)، سنجد أنَّها لا تتجاوز السبعين ديناراً في أحسن الأحوال وأندرها. أما الأعمال الفنية فسيكون محظوظاً من يبيع بضع قطعٍ في العام الواحد. وفي بلدٍ تُعامَل فيه الثقافة على أنَّها ترفٌ لاضرورة له، وفي بلد تنتشر فيه الأمية القرائية وأنواع أخرى من الأميات الثقافية والفنية والمفاهيمية والفكرية، ويتخبَّط فيها الناس في أشكال من الزيف الروحي والاجتماعيّ والفكريّ تصرف حتماً عن كل ما هو ثقافي، لاتجد الفنون ولا الثقافة لها سوقاً يتيح لأهلها دخلاً مُجزياً. فكيف بالله يكون ممكناً أن تمدَّ ضريبة الدخل ساطورها إلى عنق المثقف لتجزَّه بينما جيبه فارغة؟
المراجع
alghad
التصانيف
صحافة زليخة أبوريشة جريدة الغد