في تمّوز (يوليو) الماضي حذّرت "لجنة التنمية المستدامة" من أن النظام الغذائيّ الراهن قد يخذلنا ويؤدّي إلى تجويعنا. وهو ما ربطه تقريرها السنويّ بالانبعاثات الغازيّة وبنقص الاهتمام الشائع بنوعيّة التربة وكيفيّات استخدام المياه. وفي الشهر نفسه، وفي ختام مؤتمرها الأخير في إيطاليا، تعهّدت مجموعة الدول الغنيّة الثماني برصد 20 بليون دولار لجهود توسيع التموّن بالغذاء وتوفيره لفقراء العالم.
نواقيس الخطر حيال السلعة الأكثر أوّلويّة للبشر باتت كثيرة، وقد راح صوتها، في الفترة الأخيرة، يزداد ارتفاعاً وطنيناً. فالمشكلة لا تخصّ بلداً بعينه، بل البشريّة قاطبة: ذاك أن الجفاف الذي ضرب أستراليا، مثلاً لا حصراً، رفع سعر الخبز في بريطانيا. وهكذا دواليك من أمثله لا تُحصى عن درجة التداخل والترابط في عالم الأمن الغذائيّ وتوابعه، ومن ثمّ ضرورات علاجه.
وبالانتقال من الصورة الأصغر إلى الصورة الأكبر، يُقدّر أن يزداد سكّان العالم عند نهاية العشرين سنة المقبلة بما يتراوح بين بليونين ونصف البليون وثلاثة بلايين. وهذا العدد الضخم من الأفواه الطالبة للطعام لا بدّ أن يتطلّب إنتاجاً أغزر وأكثر.
ويبدو، في السياق هذا، أن بريطانيا إحدى أكثر بلدان المعمورة تفكيراً في المسألة واهتماماً بضرورة استباقها بالتخطيط كما بالإجراءات العمليّة، فضلاً عن تغيير الذهنيّات والسلوكيّات في ما خصّ إنتاج الغذاء واستهلاكه. وهذا مع العلم بأنّ البريطانيّين يُعدّون من أكثر الشعوب اكتفاء ذاتيّاً في مجال الغذاء والطعام، حيث ينتج بلدهم ما بين 60 و65 في المئة من استهلاكهم، فيما يستورد 20 في المئة منه من القارّة الأوروبيّة والباقي من سائر العالم. كذلك يشير العارفون بالشأن الغذائيّ ومتابعوه البريطانيّون إلى أن وجهة البلد المذكور إيجابيّة عموماً: فهو، اليوم، أشدّ اكتفاء ذاتيّاً مما كان في الثلاثينات والخمسينات.
مع هذا، دعا رئيس الحكومة غوردون براون، بلهجة دراميّة، إلى الكفّ عن تبديد الطعام، ثمّ دعا قبل أيّام وزير البيئة هيلاري بن إلى ما اعتبره إعادة تفكير جذريّة في كيفيّة إنتاج الغذاء واستهلاكه، أي بتحديد أكبر: كيف يمكن رفع الإنتاج مع التقليل من استخدام الماء ومن اعتماد المخصّبات، بهدف تجنّب آثار النموّ السكّانيّ والتغيّر المناخيّ المصاحب له. وهو قد دعا المنتجين وأصحاب السوبر ماركت والمستهلكين من دون استثناء للتفكير في تطوير نظام غذائيّ للعالم في 2030، آملاً في تحويل بريطانيا إلى حلقة واسعة لنقاش المسألة الحيويّة هذه. وقد ذكر الوزير بن في مقابلة أجرتها معه البي بي سي أنّ ما كان جائزاً من تجاهل، قبل العام الماضي، لم يعد جائزاً بعده. فحينذاك شهدت أسعار الغذاء والنفط، الذي تعتمد عليه المخصّبات، ارتفاعات هائلة، بحيث باتت السلبيّة حيال المسألة أقرب إلى التواطؤ مع الكارثة.
فإذا كانت هذه حال بلد كبريطانيا، فماذا عن أحوالنا نحن في العالم العربيّ، حيث مستوى الاكتفاء الذاتيّ لا يُذكَر، فيما التفكير بالمسألة والتخطيط لها لا يُذكَر هو الآخر!؟.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد حسن احمد الشوبكي