سيواجه أوباما مشكلة العلاقة بالعالم الإسلاميّ و"صورة أميركا" فيه، وهي المشكلة التي ستتأثّر إلى حدّ بعيد بالموضوع الفلسطينيّ – الإسرائيليّ
 
يخضع الرئيس الأميركيّ باراك أوباما لعدد من الامتحانات الكبرى، الداخليّ منها والخارجيّ، السياسيّ والاقتصاديّ والثقافيّ.
فأوّلاً، في الداخل، وعلى النطاق المباشر جدّاً، هناك التحدّي الذي تتعرّض له سياساته الصحّيّة، خصوصاً أن التظاهرة الأخيرة التي شهدتها العاصمة واشنطن توحي أن الجمهوريّين، واليمين عموماً، سيقاتلونها إلى آخر رمق بحجّة الضرائب الباهظة التي ستنجم عنها.
وثانياً، وعلى نطاق أشمل، هناك الاجراءات والكيفيّات التي ستعتمدها إدارته في إنهاء أزمة الكساد التي أمكن تطويقها من دون التغلّب عليها. وحتّى لو تحقّق تقدم ملحوظ على هذا الصعيد (وهو ما لم يزل مبكراً الحديث عنه)، يبقى السؤال الأهمّ عن الضمانات بأنّها لن تتكرّر من جديد. وغنيّ عن القول إن النجاح والفشل هنا سيصيبان العالم بأكمله، ليس فقط بسبب حجم الاقتصاد الأميركيّ ولكنْ أيضاً تبعاً الى درجة العولمة والتداخل اللذين صار الاقتصاد العالميّ كلّه يتّسم بهما.
وثالثاً، ودائماً، هناك مدى الانعكاس الذي سيتركه انتخاب أوباما، كأوّل رئيس ملوّن للولايات المتّحدة، على العلاقات العِرقيّة والثقافيّة في مجتمعها. وغنيّ عن القول إن أمراً كهذا سيتبدّى بوصفه تراكماً بطيئاً إذ يستحيل أن يتغلّب عدد قليل من السنوات على عدد كثير من العقود دفعة واحدة.
ورابعاً، وعلى صعيد الخارج، ترتسم تحدّيات متداخلة وكبيرة: من المعركة في أفغانستان وباكستان، إلى الفصول التالية للانسحاب من العراق وكيفيّات ملء فراغه، إلى التعاطي مع الاحتمالين النوويّين في إيران وكوريا الشماليّة، انتهاءً بتذليل النزاع الفلسطينيّ – الإسرائيليّ، من دون أن ننسى صياغة معادلات جديدة للعلاقة مع روسيا ما بعد الاتّحاد السوفياتيّ من قبل أميركا ما بعد بوش، فضلاً عن إعادة تنظيم العلاقة الاقتصاديّة الضخمة مع الصين. وهنا، وعلى معظم هذه الجبهات المعقّدة، يُقدّر أن تكون الانتصارات أصعب مما في المجالات الأخرى.   
وخامساً، وبعد انقضاء أكثر من مائة يوم على خطابه الشهير في القاهرة، سيواجه أوباما، ولو على نحو متقطّع، مشكلة العلاقة بالعالم الإسلاميّ و"صورة أميركا" فيه، وهي المشكلة التي ستتأثّر إلى حدّ بعيد بالمجريات الأفغانيّة والباكستانيّة والعراقيّة والإيرانيّة، إلى جانب الموضوع الفلسطينيّ – الإسرائيليّ بطبيعة الحال.
لكنْ إلى جانب هذه العناوين، وربّما غيرها، يبقى ثمّة موضوع يجمع بين الرسوخ والضمور، وهو موازٍ للمواضيع الأخرى ومؤثّر فيها كلّها، مما يمكن أن نسمّيه مدى بلورة البديل عن البوشيّة. فهذه المسألة، التي أعادت الذكرى السنويّة الثامنة لجريمة 11 أيلول (سبتمبر) التذكير بها، يمكن صوغها على النحو الآتي: لقد اتّبع الرئيس الأميركيّ السابق، حيال المشكلات الخارجيّة التي واجهها، نهجاً يقوم على القسوة والنزعة الحربيّة وتجاهل الاعتبارات الخاصّة والتواريخ الثقافيّة للجماعات والشعوب التي تعاطى معها. ولم يخل ذاك النهج من أعمال كذب وتزوير تجلّت خصوصاً في سياسته العراقيّة التي أفضت إلى الحرب بذريعة كاذبة عن سلاح دمار شامل.
فكيف لأوباما أن يطوّر بديلاً يتجنّب تلك المعالم البوشيّة من دون أن يقع في ممالأة الأنظمة المستبدّة و/ أو الجماعات الإرهابيّة. أغلب الظنّ أن هذا السؤال سيكون الأكثر مركزيّة في ما خصّ الأوباميّة إنجازاتٍ وإخفاقات.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   حسن احمد الشوبكي