صفقة بيع " امنية " الى "بتلكو" مليئة بالاسرار التي يجب ان تتكشف. اسرار ذات صلة بالأرقام او قد تكون اكبر من ذلك بحيث تشمل شفافية العمل الحكومي من عدمه، واخطر من هذا وذاك، ربما انطوت الصفقة على تفاصيل في غرف مغلقة لم تظهر للعلن ومن الممكن ان تبقى سرا لا يقوى البسطاء على فك رموزه.
ابطال الصفقة اياها ما يزالون بيننا. فقبل عامين كان الرأي العام المحلي ومعه المتنافسون في سوق الاتصالات المحمولة يتساءلون عن مبررات منح الرخصة لمشغل ثالث. تساءلوا ايضا عن مبلغ الرخصة والفائدة التي ستجنيها البلاد من تلك الرخصة، وحينها كانت الحكومة وهيئة تنظيم قطاع الاتصالات تدافعان عن خيار منح الرخصة، لكن ايا من المواطنين لم يكن يعلم وقتها أن الرخصة التي منحت بمبلغ  4 ملايين دينار ستباع بمبلغ 419 مليون دولار.
ونعيد السؤال مرة اخرى: كيف وافقت الحكومة التي كان يرأسها فيصل الفايز على تلك الرخصة؟ ولماذا؟ وما السبب وراء دفاعات وزير الاتصالات وقتها – فواز الزعبي – عن قرار منح الرخصة؟ وماهي الدراسات التي استندت اليها رئيس هيئة تنظيم الاتصالات منى نجم لتبرر منح الرخصة الجديدة بمبلغ اربعة ملايين دينار؟ والاهم من كل ما سبق، هل فعلا منحت الرخصة بموجب دراسات؟ وما هي اللجنة التي درست السوق واوصت بعد ذلك ببيع الرخصة بمبلغ 4 ملايين؟ ولماذا لم تصغ الحكومة وقتها لأصوات المنافسين والصحافة والبرلمان حول ضرورة الرخصة من عدمها؟ اسئلة عديدة يجب ان يتم الاجابة عنها، والا فإننا ابعد ما نكون عن الشفافية والنزاهة.
اذكر انني حاورت الادارة العليا للمنافسين الرئيسيين في مواجهة الشركة الجديدة آنذاك، فـ"فاست لينك" و"موبايلكم" قدمتا عروضا للحكومة مقابل عدم منح الرخصة الثالثة وبلغت هذه العروض حاجز مئة مليون دولار، لكن الحكومة نأت عن المال بالقول ان الاردن اعتمد سياسة السوق المفتوح وأن المشغل الجديد سيفتح نافذة جديدة في عالم الاتصالات. واختلط الحديث وقتها بين الشخصي والمهني، وهو ما جعل المستهلك الاردني في حيرة من امره؛ يصدق من ويكذب من. فالحكومة المحتاجة للمال لم تقبل به من المنافسين ومضت في قرارها منح الرخصة بثمن بخس!
الدلالات والمؤشرات في قصة بيع "امنية" واسعة وعديدة، لكن الأهم من وجهة نظري يتركز في جانبين، اولهما ان خزينة الدولة خسرت مئات الملايين وكذلك المواطن؛ إما بسبب ضعف تقدير المتخصصين في الاتصالات لقيمة الرخصة او بسبب تواطئهم مع الجهة التي آلت اليها الرخصة، وثانيهما ان مبلغ الصفقة -419 مليون دولار- يعد كبيرا ومبالغا فيه، خاصة ان الصفقة شملت ديون "امنية" والكل يعرف ان موجودات "امنية" لا ترتقي الى مستوى هذا المبلغ، لا بل ان "فاست لينك" التي بيعت الى مجموعة الاتصالات المتنقلة قبل عدة سنوات بمبلغ  495 مليونا لم تكن لترتقي الى هذا المبلغ لولا ان موجوداتها بالكامل واضحة في الشركة علاوة على كونها اول مشغل للاتصالات المحمولة في البلاد لسنوات عديدة وكذلك اجتذبت الى المملكة عمالقة الاتصالات في العالم ومثلها فعلت "موبايلكم"، غير ان المشهد ليس كذلك في قصة "امنية" ان على مستوى شراكتها الاستراتيجية مع "هواوي" الصينية او فيما يتعلق بمضي وقت طويل لها في الخدمة والتي تحتفظ بنحو نصف مليون مستخدم.
بعيدا عن الصخب، من حق الاردنيين كل الاردنيين ان يعرفوا ويقتنعوا بكل تفاصيل قصة منح الرخصة لشركة "امنية"، حتى لا يكون الحديث عن الشفافية والافصاح ذرا للرماد في العيون بينما يحصل خلف الابواب المغلقة ما يندى له الجبين، ويسهم في افقار الملايين، وحتى لا تكون أمنية الشعب في فهم ما يدور مجرد "أمنية"!

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   حسن احمد الشوبكي