منذ الستينيات، لم يشهد الراتب الاساسي لموظفي الدولة تغييرا يذكر باستثناء الزيادات الدورية السنوية على الدرجات والتي تراوحت بين دينارين وعشرة دنانير، ويضاف الى ذلك علاوات تختلف من مهنة لأخرى وتشكل نسبة من الراتب الاساسي.. لكن سلم الرواتب لم يخضع لزيادة غير دورية تبعا لضعف موارد الدولة وخوفا من تضخم لا يمكن السيطرة عليه في الجهاز البيروقراطي خاصة بعد تخطي نسبة هذا الجهاز لنصف القوى العاملة في البلاد.
 الراتب الأساسي الشهري للحاصل على البكالوريوس من دون خبرة يقل عن ثمانين دينارا، وهو مبلغ متواضع اذا ما قورن بالتضخم الذي واجهه المستهلك الاردني على مدار العقود الاربعة الماضية، ولذلك فإن العلاوات بمبالغها المختلفة حاولت سد ثغرة تدني الراتب الاساسي فضلا عن كونها اداة مرنة للتمييز بين مهنة وأخرى لتحقيق تقويم مقبول للعاملين في اجهزة ومؤسسات الدولة.
ومنذ العام 1994 سعت الحكومات المتعاقبة الى تقليص التعيين بموجب الدرجات وتحويل الموظفين الى نظام الضمان الاجتماعي حتى لا تتضخم اعباء صندوق التقاعد، وكلها خطوات هدفت الى تحقيق التوازن بين ايرادات الدولة ونفقاتها، منعا لحدوث فجوة يصعب ردمها لاحقا.
غير ان مشهد السلم الوظيفي في البلاد لم يقابله سابقا ولا يقابله الآن اجراءات منطقية لمواجهة التضخم المتسارع في سلة الغذاء والنقل والصحة والتعليم وباقي اسعار السلع والخدمات.. الزيادات او العلاوات كانت تتم في بعض الاحيان كردة فعل على غلاء تفشى في الاسواق، كما ان دخل الفرد الذي نما سنويا بنسب ضئيلة لم يمكن المستهلك المحلي من التكيف بصورة عملية مع موجات الغلاء المتصاعدة، وقبل هذا وذاك فإن عددا كبيرا من المستهلكين لا يوزعون الدخل المتاح لديهم بطرق تضمن تحسين الواقع الاقتصادي.
 ما وصلنا اليه حاليا من مقايضة بين البرلمان والحكومة حول تمرير مشروع الموازنة العامة للعام 2007 مقابل رفع رواتب الموظفين وعدم رفع اسعار المحروقات، يشكل نتيجة يجب بموجبها الاعتراف بأن قدرة المواطن الاردني باتت ضعيفة امام موجات غلاء متلاحقة طالت كل شيء.
قدرة الحكومة على المناورة في الوقت الحالي ليست معدومة، فبالإمكان زيادة رواتب العاملين والموظفين وتأجيل رفع اسعار المحروقات التي كانت مقررة بعد ثلاثة شهور الى العام المقبل، ولعل احتساب سعر برميل النفط في الموازنة ضمن مستوى 60 دولارا للبرميل يتيح للحكومة التصرف بالفائض المتحقق اذا ما احتسبنا وفرة تصل الى ربع بليون دينار نتيجة فروقات اسعار النفط تبعا للسعر المرجعي الذي حددته الحكومة.
 قضية رفع الرواتب وتحسين مستلزمات ومتطلبات الحياة للعاملين لمواجهة اوضاع اقتصادية صعبة يجب ان تتم وفقا لأسس علمية ودراسات حقيقية، لا ان تجرى في اجواء فوضوية سعيا للتأثير على الرأي العام .. وكل ما حدث سابقا مهم بدءا من موقف اللجنة المالية والاقتصادية للبرلمان وصولا الى تعطيل لقاء اعضاء اللجنة برئيس الوزراء, لكن الاهم يكمن في التوصل الى موقف يساعد المواطنين والحكومة معا على تخطي العام المالي الحالي دون خسارات تصيب ايا من الطرفين.
الغريب في قصة رفع الرواتب والمطالبة بعدم رفع اسعار المحروقات ان نواب الشعب مرروا بسهولة في السنوات الثلاث الماضية موازنات اكثر صعوبة على المستهلك من الموازنة الحالية ولم يتم في تلك الموازنات رفع الرواتب او التوقف عن زيادة اسعار المشتقات النفطية لكن الامر الآن ينطوي على ما يبدو على مصلحة انتخابية في التقرب من الشارع بعد ان فقد مجلس النواب الحالي ثقة الشارع وهو ما تؤكده استطلاعات الرأي .. مرة اخرى مطلوب عقلنة اسلوب التعامل مع قضية رفع الرواتب لتحقيق ما فيه صالح المواطن. 

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   حسن احمد الشوبكي