الصورة التي يسعى المخططون ورجال الأعمال لرسمها على صفحات الاقتصاد في العالم العربي متشابهة بين اكثر من دولة. ملامح الصورة لا تعدو اتجاها لاقتصاد الخدمات الذي يطفو بعيدا عن اموال هاجرت منذ زمن فيما التجارة البينية (وتحديدا المستوردات) تأتي من الولايات المتحدة بوصفها الشريك الاجباري لتلك الدول.
ثمة نمطية غريبة في واقع الاقتصادات العربية، فعلى الرغم مما احدثه انهيار برجي التجارة في الحادي عشر من ايلول قبل خمس سنوات ونصف وازمة الثقة التي تبعت هذا الحدث الا ان المال العربي ما يزال يزيد من دفء البنوك الاميركية كما وينشط قطاع العقارات هناك اضافة الى الاسهم والسندات .. الامر لا يقف امام الخزائن الاميركية بل يتعداه الى باقي العواصم الغربية التي استقطبت وما تزال ما بين تريليون وثلاثة تريليونات دولار- كما تشير احصائيات ميرلينش - وهو مال عربي يتحرك جله من مدن نفطية خليجية صوب الخارج.
المشكلة ليست في الثروات الشخصية فقط واستقرارها في الغرب. ان التبادل البيني العربي ينذر بكارثة اكبر من كل الشعارات التي تطلق قبل وبعد كل قمة عربية، ومن المؤسف حقا ان احصائيات صادرة عن جهات رسمية تؤكد ان التبادل التجاري بين الدول العربية يبلغ 36 بليون دولار بينما يتضاعف هذا الرقم ثلاث مرات بالنسبة للتجارة البينية العربية الاميركية ويصل الى مئة بليون دولار .. هنالك اصرار على الاستثمار في اميركا رغم ضبابية الحال السياسية والاقتصادية حيال العرب، وخلال العام الماضي اشترى مستثمرون عرب عقارات بما يفوق 70 بليون دولار في الخارج خاصة اميركا .. لماذا كل هذا الاصرار؟ وما مبررات الثقة الزائدة في البيت الابيض وهو الذي تسبب وما يزال في سواد انعدمت معه الرؤية في هذه المنطقة من العالم؟.
كشفت دراسة نشرتها مجلة بحوث اقتصادية عربية ان حجم الاموال العربية في الخارج بين (1974 -1995) بلغت 670 بليون دولاروبقياسها الى حجم الاستثمارات داخل العالم العربي خلال الفترة ذاتها تبين ان النسبة واحد الى 56، بمعنى ان كل دولار يستثمر داخل العالم العربي يقابله 56 دولارا خارجه.
وبموجب التصنيفات الدولية فإن الاقتصادات العربية تتأرجح ما بين معالجة التشوهات السابقة والبحث عن هوية تنافسية جديدة، فيما يقع كثير من تلك الاقتصادات تحت قيد الفساد الذي يصيب القطاعين العام والخاص وسط تشابه كبير بين اشكال الفساد التي تظهر من وقت لاخر في البلاد العربية. آباء طالت ايديهم قطاعات حكومية منذ امد بعيد وابناء يسيطرون حاليا على قطاعات خاصة جديدة، ويضيع عقب ذلك كله أي حديث عن قواعد صناعية ضخمة او اقتصادات قادرة على تشغيل عشرات الملايين الذين ينتظرون فرصة للعيش.
ويستعاض عن غياب الصناعة ومشروعات التشغيل الضخمة بتوجهات نحو انفاق واستثمار في ما تسمى "صناعة الفيديو كليب" عبر مئات القنوات الترفيهية التي لا تحمل روحا او مضمونا وبالتناوب بين بيروت والقاهرة، او من خلال بناء مراكز تسوق جديدة كما في دبي والدوحة والمنامة .. صور لا تساعد على صناعة اقتصادات واعدة، لاعبوها اثرياء يسعون الى ابقاء عيون العرب مفتوحة .. لكن للنظر الى ما هو سطحي وعبثي.
اذا كان النظام الرسمي العربي عرضة للنقد والتجريح صباح مساء بسبب ما آلت اليه اوضاع الشعوب العربية من احباط واحتلال وقهر، فإن الاثرياء العرب شركاء في هذه الصورة المظلمة، فأموالهم تعيل عوائل غربية، وتتزايد كلما زادت اميركا في قهر تلك الشعوب .. مال لا ينفق لصالح العرب، ومدن نفطية متخمة بالمليارات لكن بين جنباتها صوت يئن تحت شدة الفقر وبؤس الحال .. أزعم ان لا هوية أخلاقية تحتمي خلفها أموال العرب!!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد حسن احمد الشوبكي