ظهرت فتوى لم يعد فيها ما يُدهش تقول بتحريم السّفر إلى "بلاد الكفّار" و"الدّول الإباحيّة"، ما لم يكن المسافر "على علم يدفع به الشّبهات، ودين يمنعه من الشّهوات"، أو لضرورة قصوى، وحتى هذه تنتفي -بحسب هذه الفتوى- إذا كان المسافر لا يضمن لنفسه عدم الوقوع في المنكر، كشرب الخمر... وإذا كانت هذه الفتوى لا تُدهش لما آلت إليه حال المُفتين من هوان العقل وفساد الهمّة في السّعي والتّمحيص والتّفكير، فإنّ لمستقبليها أو سامعيها أن يُجيلوا النّظر في أرجاء حياتهم وهم يستوردون من هذه الدول "الإباحيّة" "الكافرة" الحاجات الأساسيّة وحاجات التّرفيه، بحيث لو أُفتي بتحريم الاستيراد مثلاً من بلاد الكفر لكان لزاماً أن يعودواً خفافاً إلى مراعي الكلأ وخيم الشَّعر وما خشُنَ من متاع الحياة! فعندها لن يكون ثمّة سيارات دفع رباعيّ لا نصنعها، ولا مكيفات هواء، ولا أدوية، ولا قمح لا نزرعه، ولا لحوم لا ننتجها، ولا ملابسَ ولا أثاث ولا أقمشة ولا ثلاجات ولا مطابخ غاز ولا باصات ولا طيارات ولا أسلحة ولا كمبيوترات ولا جوالات ولا فاكسات ولا إنترنت... فنحن الغيارى على ديننا بالإفتاءات تلو الإفتاءات، لم نخترع شيئاً مما سبق ذكرُه وما لم يسبق. وجُلّ ما قدّمناه في قرننا الأخير هذا كان الاستهلاك والتفنّن فيه، استهلاك ما أنتجته دول "الكُفر" واخترعته، بما في ذلك استهلاك الأفكار والثقافة والهويّة ونظم الحياة وبرامج التعليم وأجهزته، حتى "الإتيكيت" عجزنا عن تطوير ما يناسبنا منه. وناهيكَ عن الملابس والأفراح والاحتفالات والعربات الفارهة والحِليّ وغير ذلك كثير!
فكيف آل بنا الحال إلى شتم مصدر "سعاداتنا الدنيويّة" ورفاهنا الأرضيّ، بعد وفي أثناء الاستمتاع بما يُقدّمه إلينا من أشكال وألوان؟ بل ما هو المبدأ الأخلاقيّ الذي يحضّ عليه دينُنا (الذي ابتُلي بعقولنا الفاسدة) لكي نوسع الآخر شتماً بينما هو يودي بالإبل؟ وكيف يسوّغ من أفتى وضع يد ذوي السلطان منا في أيدي من صال وجال فينا سياسةً واقتصاداً ومصائر؟ وبأيّ عينٍ وقلبٍ نواجه تآكل ضميرنا ولا أحد من أهل الإفتاء يدعو إلى تنميته والعناية به وإخراجه من غرف العناية الحثيثة؟
ليت أنا نبذل في الإبداع والاختراع وتجديد الحياة ما نبذله في أكل الهواء هذا، الرّخيص المبذول على قارعة طرق، أعداء الحياة، والمنبوذ من قيم الإنسانيّة!
دعونا لا نفقد الأمل...!!!

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  زليخة أبوريشة   جريدة الغد