لم تحظ دول نامية عديدة بتحقيق تحول اقتصادي نوعي في نمط الحياة دون كلف. التحول في بعض الدول العربية جاء غير منظم وبقيت الدول تقدم اجورا ورواتب لجهاز بيروقراطي يتضخم ولا يتناقص بعد ان سلمت تلك الدول مقاليد الاقتصاد و"ادوات الانتاج" الى القطاعات الخاصة .. الاردن جزء من مجموعة حققت التحول لكنه استمر في تضخيم جهازه الحكومي وسط سياسات اخفق بعض منها في حل مشكلتي الفقر والبطالة.
الارقام والمؤشرات تؤكد ان سياسات التوظيف في السنوات العشر الماضية لم تكن صائبة في معظمها، فضلا عن كونها أتت على عجل بهدف ترقيع واقع معيشي لفئات عديدة، غير ان الامر انعكس سلبيا على موازنة عاجزة تدفع رواتب واجور للموظفين العاملين والمتقاعدين في الجهاز الحكومي المدني والعسكري تتجاوز 1.1 بليون دينار سنويا، واهم من ذلك ان سياسات التوظيف كانت تتم خارج جدول التشكيلات وفق ممارسات عشوائية وهو ما أنتج عبئا جديدا على الموازنة قوامه 25 الف وظيفة كما يؤكد رئيس ديوان الخدمة المدنية الذي طلب وقف تلك التعيينات.
الأزمة اكبر، عندما نعلم ان كفاءة المعينين من فئة توجيهي فما دون في الحكومة ليست على قدر عال من السوية المهنية التي يمكن ان تنقل القطاع العام الى مصاف جديدة، عدد هذه الفئة يقارب 19 الفا واضرت الى حد بعيد بكفاءة الجهاز الحكومي. يقابل هذا الانفاق الجاري ذو العائد المنعدم على الاقتصاد برامج وسياسات حكومية لمواجهة الفقر انفقت ما قدره 720 مليون دينار خلال سبع سنوات مضت، لكن نتاج تلك السياسات والبرامج لم يكن سوى اتساع في دائرة الفقر وتزايد في نسبة البطالة.
المؤشرات والبيانات ذاتها تدق ناقوس الخطر حيال اوضاع موظفي الحكومة في ادنى مستويات الجهاز البيروقراطي، هذه الفئة عينت بالخطأ ولا نصيب لها في برامج مكافحة الفقر، واصعب من ذلك ضعف كفاءتها الذي يعيق تقدمها كما يعيق تقدم الاقتصاد بشكل عام. فصغار موظفي الدولة ظلموا من خلال تعيينهم برواتب متواضعة، كما ظلموا عندما لم يتسن لهم الحصول على فرصة تدريب لينخرطوا في بيئة العمل بشكل تفاعلي، وظلموا اخيرا عندما تم استثناؤهم من برامج مكافحة الفقر والبطالة.
الرقم الذي اعلنه رئيس ديوان الخدمة المدنية مؤخرا عن وجود 167 الف موظف حكومي تحت خط الفقر يؤشر الى تفاقم الفقر والعوز في اوساط موظفي الدولة، وخطورة تزايد تلك الاعداد تقود الى امراض اقتصادية واجتماعية مثل الرشوة والفساد، وتنأى بالموظف البسيط عن تطبيق القانون وهو ما يضر البلاد في نهاية المطاف.
قبل نحو شهر، اعتصم موظفو المياومة في الحكومة وعددهم يفوق 13 الفا، وجاء اعتصامهم بغرض نيل حقوق طالما وعدتهم بها حكومات متعاقبة ولم تف بوعدها، وهؤلاء ايضا يدخلون في دائرة فقراء القطاع العام، فلا اجورهم تؤهلهم للتعايش مع الغلاء المتفاقم، ولا حصة لهم ايضا من الاموال التي تنفقها على مشاريع مكافحة الفقر.
تطوير القطاع العام يتطلب خططا واستراتيجيات شريطة تنفيذها بدقة، اما ان تقرر حكومة ما وقف التعيينات وتلحقها حكومة لتفتح الباب على مصراعيه فهذا مما لا يخدم تطور الاقتصاد ولا يساعد في اعادة انتاج جهاز بيروقراطي كفؤ يعمل جنبا الى جنب مع قطاع خاص مبدع .. بالمناسبة، جانب كبير من التعيينات العشوائية يستهدف ارضاء النائب فلان لضمه الى جوقة الحكومة تحت القبة .. او لسبب آخر لكنه ليس مهما.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد حسن احمد الشوبكي