الحكومة من اكثر المتفاجئين من صعود البتراء الى المرتبة العالمية التي بلغتها. واقول الحكومة لأن الاستعدادات التي سبقت دخول التنافسية بسنوات لم تشر الى وجود صدقية في الاداء التنفيذي بغية نقل الارث النبطي الى عيون العالم. كان التعاطي مع عاصمة الانباط عاديا ودون المستوى في اكثر الاحيان، وهو ما افرز حالا نحتاج اليوم الى قلبها رأسا على عقب لكي نتمكن من انتهاز فرصة تاريخية، ازعم انها لن تتكرر.
بعض من ملامح الرداءة في واقع المدينة الوردية يتضح في البنية التحتية الهشة وفي غياب النظافة عن هذا الموقع التاريخي الاضخم في البلاد علاوة على عدم وجود لمسات لخدمات نوعية تستطيع المنافسة، في الوقت الذي ترك لنا اجدادنا الانباط مدينة متكاملة الجمال والروعة.
ازمة التسويق والترويج للاردن كمنتج واحد اخفقت في غير مكان خارجي لأسباب موضوعية وأخرى شكلية، بيد ان الجهود التي قادتها الحكومات مع بعض ممثلي القطاع الخاص في العقد الاخير حاولت تلمس مكانة البلاد من زاويتي الاستثمار والسياحة، وتبين لاحقا ان الاشكالية تكمن في طريقة الترويج لا في مقدرات الاردن، ولم تكن البتراء ببعيدة عن هذه الصورة غير المشجعة.
الانفاق على الترويج السياحي لمعالم الاردن الاثرية والسياحية خارجيا لم يتخطى في احسن احواله حاجز 25 مليون دولار سنويا وهو مبلغ ضئيل، اذا ما قورن بمحاولات الآخرين في المنطقة لجذب الآخر البعيد وحتى القريب الى واقع ليس بمستوى لون الصخر الوردي في البتراء او انسياب الطبيعة في رم او دفء الشاطئ في العقبة.
البتراء بعد ان حظيت بفرصة عالمية، لا يجوز ان تبقى بمواصفات محلية إن على صعيد الرؤية او الاستثمار او البنية التحتية او حتى نظافة البيئة، كما يجب ان تتغير الصورة في جوارالاعجوبة الثانية من اعاجيب الدنيا الجديدة وهو الجوار المعزول عن كل خطط التنمية ، والتي اتفق مع الزميل باسل رفايعة اذ وصف حال هذا الجوار ( بئر ابو اللسن، بئر خداد، اذرح، الجربا، معان وقراها، الشوبك، اضافة الى وادي موسى والطيبة) بأعجوبة الاهمال الحكومي المتراكم.
تحتاج البتراء الى مطار دولي ضخم يستطيع تسهيل الرحلات من والى المدينة، كما تحتاج الى طريق سياحي يربط الجنوب بمجمله مع اقليم البتراء من زاويتي معان والعقبة او الخط الصحراوي مرورا بالشوبك التي تحتضن قلعة ضاربة الجذور في التاريخ .. واكثر من ذلك تحتاج الى اكثر من مئة فندق جديد بمواصفات غرف مؤهلة لتجاوز العدد الحالي للغرف والبالغ الفي غرفة وصولا الى 8 آلاف او 10 آلاف غرفة فندقية مؤهلة، اضافة الى تطوير خدمات سياحة متكاملة من مراكز ترفيه ونوادي صحية ومنتجعات ومطاعم ودور سينما اضافة الى تقديم بانوراما تحكي قصة الانباط وقدراتهم على مواجهة صعوبة الحياة قبل نحو الفي عام.
الحكومة الحالية ومعها كافة الاجهزة التنفيذية في الدولة يجب ان تخطط بالتعاون مع القطاع الخاص المحلي لعقد مؤتمر كبير لحشد الاستثمارات للبتراء من خلال استقطاب مستثمرين عرب واسيويين وبما يعود بالنفع على كافة اطراف، واعتقد ان التقديرات الاولية لجعل البتراء منافسة بقوة تستلزم توفير ما لا يقل عن 6 مليارات دولار بغية وضع المدينة الوردية على الخريطة العالمية للسياحة بوصفها معلما يزوره السياح لذاته وليس ضمن جولة اقليمية تحظى اسرائيل فيها بحصة الاسد.
البيئة العاجزة تنمويا في الجنوب الاردني دفعت الى هجرات قسرية، فلواء الشوبك يضم ما يقل عن 11 الف مواطن فقط وضعف هذا الرقم ايضا في وادي موسى التي تضم البتراء .. وبينما زار الاعجوبة الثانية منذ مطلع العام الحالي وحتى نهاية الشهر الخامس نحو ربع مليون سائح فإن المأمول ان يرتقي هذا الرقم ليفوق المليونين وليصبح الجنوب بثرواته وقدراته السياحية نقطة جذب لا مركزا للهجرة الى الداخل والخارج وبما يسمح برفع مساهمة السياحة في الناتج المحلي الاجمالي الى ما يقارب 25 %.
اذا لم تنجح الحكومة وكذلك الافراد والمؤسسات في استثمار لحظة الانتصار جيدا، فأننا سنتكيف مجددا مع فشل عايشنا ملامحه وآثاره لعقود خلت وما زال.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد حسن احمد الشوبكي