مرت شعارات المرشحين للانتخابات البرلمانية المقبلة مرور الكرام على واقع الاقتصاد وتحدياته فيما يخص الافراد والمؤسسات، وكانت فارغة الى حد بعيد من أي مضمون برامجي، وتساوقت مع استهلاك نمطي للشعاراتية التي استحكمت عمل من يجب ان لا يكونوا كذلك.
التحديات الاقتصادية التي تواجه الأردن ليست سهلة على الإطلاق، وهي بحاجة الآن أكثر من أي وقت مضى إلى حوارات معمقة وجدية للوقوف على مستويات التخطيط التي بلغتها البلاد بقصد تعزيز نقاط القوة، ومحاولة التغلب على مواطن الضعف. كيف يمر السادة المرشحون مرورا سريعا في حملاتهم الانتخابية على ملفات بحجم الفقر والبطالة وغلاء الأسعار والاستعداد للتكيف مع موازنة بلا دعم للمحروقات، في الوقت الذي يعاني تحته المستهلك المحلي من تضخم بات أمرا كبح جماحه شبه مستحيل.
إذن هو اجترار لاستخدام لغة الارقام والاقتصاد للحظوة بالتأييد الشعبي دون ان يكون المرشح ذاته قد قدم أطرا فكرية جديدة لتخليص الاقتصاد من اعباء ثقيلة حملها في الماضي وما زال ثمانية وستون مرشحا للانتخابات الحالية كانوا نوابا في البرلمان الرابع عشر، والكل يعلم حالة عدم الرضا عن اداء المجلس السابق وعن ضعف دوره في التشريع الاقتصادي وكذلك الرقابة، أذكر ان تشريعا اقتصاديا ويتعلق بمعلومات الائتمان قد نوقش تحت قبة البرلمان الرابع عشر وكشفت المداخلات التي قدمت آنذاك -الى حد بعيد- ضعف الفهم الاقتصادي العام للنواب وعدم معرفتهم بحقيقة ما يجري من تغيير اقتصادي في البلاد!.
ماذا لو تم توجيه ضربة عسكرية لإيران وارتفعت بعدها اسعار النفط الى مستويات مثل 150 دولارا للبرميل او 200 دولار، كيف سيتصرف نواب البرلمان المقبل الذين لا يعرفون التداعيات الاقتصادية لمثل هذا التطور الخطير على اقتصاديات البلاد وحياة الناس؟ وأكثر من ذلك، هل سيتعامل نواب الشعب في المجلس المقبل مع الموازنة التي لا دعم فيها للمحروقات بذات الشعاراتية والعبارات الجوفاء فيما التحدي كبير على صعيدي الارقام والمؤشرات الاقتصادية ورضا الجهات الدولية من جهة وعلى واقع الناس وقدراتهم على التكيف من جهة ثانية.
وفي مقابل غياب الرؤية الاقتصادية لدى كثير ممن قرر تمثيل الشعب، فإن الاموال والثروات التي اعقبت طفرة العقار في بلادنا وأثري بموجبها كثيرون فرضت ايقاعا جديدا عبر شراء ذمم الناخبين والاستقواء عليهم بدل الوقوف على حقيقة معاناتهم وتقديم الحلول الممكنة لتخليصهم من اوضاع اقتصادية بائسة تشمل اكثر من نصف الشعب، ولذلك جاءت التقديرات بشأن مبلغ الحملات الانتخابية للمرشحين كبيرة، إذ يتخطى المبلغ حاجز الثمانين مليون دينار وأزعم انه اعلى من ذلك بكثير.
الفزعوية والاتكاء خلف العشيرة والتأسيس لمجلس نواب ضعيف مسبقا وبلا رؤية اقتصادية، سيجعلنا جميعا ضحايا لمؤسسات شكلها موجود لكن مضمونها غائب، ولا أطالب هنا بأن يحمل مرشحو الانتخابات شهادات من اوكسفورد او السوربون في النظرية الاقتصادية، ولكنني اتوقع ان يحظى الشأن الاقتصادي ومعاناة الناس حظا اكبر في هذا الموسم الانتخابي، خاصة وأن تلك المعاناة اخترقت كل الخطوط الحمراء وبلغت الى غذاء الناس ومائهم وقبل ذلك جيوبهم.
المؤسف ان حصاد الانتخابات لا يقف عند كونه لا يقدم حلولا لأوضاع انسانية واقتصادية صعبة تطالعنا صباح مساء، بل انه يخلف ايضا امراضا اجتماعية وأزمات اقتصادية عديدة. بناء المؤسسات والاوطان لا يتم بالصدفة ولا يقوى على المضي فيه ولا رؤية لديه والمؤسف اكثر ان نتذمر في المقبل من الايام على مجلس نحن جميعا تورطنا في "انتخابه"!!.
 

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   حسن احمد الشوبكي