لا يمر يوم منذ نحو شهر الا يطالعنا حديث او خبر عن رفع سلعة او خدمة ما .. آخرها كان عن رفع اسعار المياه فور اقرار الموازنة وما سيتبع ذلك من عدم دعم الحكومة لاسعار المياه الذي كان يشكل اكثر من ثلث فاتورة المياه نسبة الى كلفة المتر الواحد، وسبق هذا التلويح برفع هذه السلعة الاستراتيجية سلسلة ارتفاعات قبل تحرير اسعار الطاقة شملت المواد الاساسية كافة.
وفي مقابل ذلك، تقرر الحكومة الغاء الرسوم والضرائب عن 13 سلعة اساسية، وكأن نسبة  ضريبة المبيعات التي تستوفيها الحكومة بمعدل 4% على السلع الاساسية هي المشكلة في التصاعد المستمر لاسعار السلع الاستراتيجية وتضاعف اسعارها كما حصل في مادة العدس. المشكلة ليست في هذه النسبة،  فالامر معقد اكثر من ذلك؛ فارتفاع اسعار المشتقات النفطية عالميا وتزايد اجور الشحن والنقل وضعف الدولار اسباب اكثر اهمية واشد فتكا.
التعاطي مع تهديد غلاء الاسعار من قبل مؤسسات الدولة وعلى رأسها الحكومة والبرلمان والقطاع الخاص برمته لا يرتقي الى مستوى التهديد، فالحكومة اوسعتنا حديثا عن الغاء الرسوم والضرائب للسلع الاساسية واكثر من ذلك خطت خطوة متواضعة نحو زيادة رواتب العاملين بشكل لا يسمن ولا يغني من جوع. المواقف اكثر تواضعا لدى ممثلي الشعب؛ فالخيارات التي تتسرب تؤشر على رغبة نيابية بتأجيل رفع الاسعار الى ما بعد فصل الشتاء وحسب. اما القطاع الخاص فلا يزال يبقي على حد ادنى للاجور لا يشكل نصف الحد الادنى لتكاليف المعيشة في البلاد، ولم يتحرك أي خطوة الى الامام !!
رئيس الوزراء نادر الذهبي يعتبر ان عام 2008 يشكل "تحديا لنا جميعا" وثمة ما يتردد في مراكز صنع القرار المحلي من ان اسعار 2008 تشكل تحديا اخر وليست تهديدا، وهنا المفارقة اللافتة في فهم الوقائع؛ فاسعار 2008 ليست تحديا، ان كان المقصود التخفيف من وطأة آثارها الكارثية على جيوب الاردنيين، انها تهديد حقيقي ويستدعي ان تلتئم كل الجهود على نحو صادق لمحاولة التصدي لهذا التهديد.
وأختلف مع الرؤية الحكومية ايضا بالقول انه "عام تحد لنا جميعا"، فأين التحدي لاكثر من نصف مليون نسمة ممن يقطنون في عمان الغربية وقد تحققت لبعضهم وفرات مالية عقب طفرة العقار زادت نعيمهم نعيما؟ العين المجردة تستطيع ملاحظة ان اسعار السيارات الواقفة امام بعض فلل وبيوت الأثرياء في غرب عمان تطاول نصف مليون دولار، واحيانا تصل الى حاجز المليون. بعض افراد الأسر الثرية في غرب عمان ايضا اشترى تذكرة للاحتفال برأس السنة سعرها يفوق راتبا شهريا لموظف بسيط، فاين التحدي لهؤلاء؟
انه تهديد حقيقي سنرى آثاره المجتمعية في الشهور المقبلة. تهديد يأتي على ما تبقى من فقراء الشمال والجنوب والقرى والبلدات البعيدة والمخيمات وحتى في احياء العاصمة. والسؤال الكبير، كيف سيتكيف المواطن مع ذلك كله؟ وهل بقي لديه قدرة للتكيف اصلا ؟ واذا زادت الجريمة بدعوى البحث عن الطعام في بلد يفاخر بالامن، فكيف ستمسي صورتنا خلال هذا العام؟ احسب ان امراضا اجتماعية كالرشوة والسرقة والدعارة وسواها وتحولات بنيوية كبيرة سيتعرض لها المجتمع الاردني، وستشهد تسارعا يصعب فهمه ايضا.
مع اطلالة العام الجديد، نتمنى ان تتغير الصورة النمطية الضعيفة حيال التعامل مع الاحداث الجسام، فالمطلوب من الحكومة والقطاع الخاص والبرلمان البحث عن حلول عملية تساعد في الحل ولا تبقي المواطن الاردني في مواجهة غلاء عالمي متزايد.  ومن مثل هذه الحلول تجاوز تراكم غير مقنع بأننا نعتمد في 90 % من غذائنا على الخارج، حتى لا نبقى عالة على الآخرين ونتبعهم في تغيراتهم التي يستطيعون مواجهتها لكننا لا نستطيع. وقبل ذلك كله، هل ستعترف الحكومة بأن أسعار 2008 تشكل تهديدا لا تحديا؟

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   حسن احمد الشوبكي