مسبار هندي غير مأهول يدخل مداره المحدد له بسلاسة ويواصل رحلته الى مدار اخر حول القمر في الاسبوعين المقبلين، لتبدأ بعدها مهمة استكشافية لمدة عامين فيها رسم للخرائط وتصوير للمواد والتضاريس الموجودة على سطح القمر .. انجاز هندي بامتياز يحق للعلماء الذين وقفوا عليه الفخر والزهو، كما يحق للقيادة التي أسهمت في جعل هذا الانجاز حقيقة وامرا واقعا.
ثمانون مليون دولار كلفة هذا المنجز، لكن الاموال ليست ذات قيمة هنا، فالهند دخلت عبر عقول ابنائها وارادة قياداتها السياسية النادي الفضائي، وللمراقب ان يتساءل عن حجم التطور التكنولوجي والعلمي والصناعي الذي افضى الى هذا المنجز، فثمة اتصالات متطورة تسابق الزمن واهم من ذلك هنالك بحوث في تكنولوجيا الفضاء والاستطلاع الفضائي ، والامر برمته يؤشر على تكامل معرفي تكنولوجي وصناعي سبقه تكامل في التخطيط والادارة والقيادة ودعم العلماء والبحث العلمي عموما، في بلد لا يزال يئن بعض من سكانه تحت خطر الفقر والفاقة.
في غمرة احتفالية الهند بهذا التطور اللافت الذي سيطر على الشاشات والصحف والاعلام عموما في كل ارجاء المعمورة اول من امس، كانت بعض وسائل الاعلام العربية تبث معلومات عن نمو قطاع المستحضرات الخاصة بالعناية بالبشرة وادوات التجميل في المنطقة العربية، وتمضي المعلومات لتصل الى ان إنفاق العالم العربي على مستحضرات التجميل يتجاوز 2.5 بليون دولار وهو مبلغ يتضاءل امامه انفاق العرب على البحث العلمي.
انفاق ضئيل لم تتمكن بموجبه الدول العربية منذ عام 2000 وحتى العام 2007 من تخطي نسبة 0.5 % من مجمل نواتجها القومية لحفز البحث العلمي والعلماء، في الوقت الذي تجاوزت فيه اسرائيل نسبة 5% من ناتجها القومي ومثلها فرنسا، وهو ما يوصلنا الى نتيجة هزيلة وهوة عميقة تهدد مستقبل اطفالنا، فلكل مليون عربي يوجد 136 باحثا، بينما في اسرائيل هنالك 1400 باحث لكل مليون، وفي اليابان هنالك 5 الاف باحث لكل مليون، ومع هذه الارقام المفجعة انتقل عشرات الالوف من العلماء العرب الى فضاءات اكثر رحابة واكثر تقديرا للعلم والعلماء، حيث تشير البيانات المتعلقة بالهجرة في اوروبا واميركا ان نحو 54 % من الذين يتم ابتعاثهم للدراسات العليا – القادمين من العالم العربي – لا يعودون الى بلدانهم ويفضلون البقاء في الدول التي تحتضن معرفتهم وتطورها.
الإكثار من المؤتمرات والندوات التي يجري فيها التنظير لحفز وتشجيع البحث العلمي والانتهاء الى توصيات حالمة لا يطبقها احد بعد تناول المشاركين وجبة عشاء دسمة على الشاطئ الشرقي للبحر الميت لن يزيد الامر الا ارباكا، غير ان المطلوب يتمثل في البدء بتطبيق خطوات جدية نحو الانفاق على البحث العلمي وتخصيصها في الموازنات الرسمية وموازنات الجامعات والتعامل معها باعتبارها خطوطا حمراء لا يمكن التقليل منها او التلاعب بها وفق امزجة واهواء المسؤولين الذي يفدون الى المناصب ويرحلون.
ثمة صور على الفضاء العنكبوتي تقشعر لها الابدان من فرط التخمة والبذخ الذي وصل اليه العرب، وبعض هذه الصور يرصد ولائم بمساحات شاسعة تترامى فيها قطع اللحم المطبوخ على نحو مخجل لقيمنا وتراثنا واخلاقنا، وهنالك عربي يفتخر بأنه دفع ملايين الدولارات لشراء رقم مميز للوحة سيارة او هاتف محمول، بينما ينسى هؤلاء الافراد ومعهم حكومات ومجتمعات مدنية عديدة ان التميز لا يكون الا بالفكر والوعي وتقديم كل ما هو جديد لخير البشرية والاجيال المقبلة.
اشعر بالخجل كلما تذكرت معلومة وردت في تقارير عديدة دولية وعربية، ومضمون هذه المعلومة ان العالم العربي قام بترجمة 12 الف كتاب فقط منذ العهد العباسي حتى وقتنا الحاضر، وهو الرقم الذي تتخطاه اسبانيا وحدها في عام واحد !
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد حسن احمد الشوبكي